أمن الدولة وأمن الإنسان

وفق تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 م، والذي حمل عنوان تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية، فإن أمن الدولة يختلف عن أمن الإنسان في أمور ثلاثة: الطرف المعني، وموضوع الحماية، والتهديدات المحتملة.

فبالنسبة لأمن الدولة يكون الطرف المعني هو الدولة، أما موضوع الحماية فأمن الدولة وسلامة أراضيها، وتتجلى التهديدات المحتملة في الحروب بين الدول والتدخل الأجنبي والانتشار النووي والاضطرابات المدنية.

وبالنسبة لأمن الإنسان يكون الطرف المعني هو الإنسان الفرد، وموضوع الحماية سلامة الفرد وحريته، أما التهديدات المحتملة فتكمن في الفقر والمرض والاستنضاب البيئي وانتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات والعنف والقمع.

وبحسب التقرير أيضا فإن هذا التمايز بين أمن الدولة وأمن الإنسان الفرد لا يعني أن أحدهما يتعارض بالضرورة مع الآخر، أو أن تحقيق أحدهما يحول دون تحقيق الآخر. واقع الأمر أنهما قد يتكاملان في ظل الدولة القوية ذات الحكم الرشيد الخاضعة للمحاسبة من قبل جهازها القضائي المستقل؛ وقد يتعارضان حين لا تكون الدولة كذلك.

وفي الواقع أيضا فإن مسألة الانتماء لدى الإنسان/ المواطن تتعمق أكثر كلما كان تركيز الجهود منصبا أكثر على أمن الإنسان الفرد دون إهمال أمن الدولة بالطبع. فالانتماء ليس شعارا يرفع، وليس سلسلة دروس تعطى، بل هو شعور مصدره وقائع عملية على الأرض.

عندما يستطيع الفرد الحصول على فرصة عمل مناسبة بدخل مناسب، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما تتوفر للفرد الفرصة في تعليم يحترم عقله، ويطور قدراته وإمكانياته، ويدفعه نحو اكتشاف ذاته والكون من حوله، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما يحصل الفرد على الرعاية الصحية المناسبة، والمسكن الملائم فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما يتم احترام حقوق الجماعات ذات الهويات المختلفة، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما يتم الحفاظ على البيئة من التلوث أو التدمير أو استنزاف الموارد، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما تتم حماية حياة الأفراد وحرياتهم من التهديدات الشخصية، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما تتم حماية الشباب من البطالة والمخدرات وكل ما يلوث نفوسهم ويسمم عقولهم، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

عندما يتم احترام حقوق الفئات المستضعفة من الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية والعرقية وغيرها، أو النساء والأطفال، فهذا من أمن الإنسان الفرد.

في كتابه ( التنمية السياسة، التنمية الاقتصادية والأمن )، وضمن رؤيته لمفهوم التكامل بين أمن الدولة وأمن الإنسان، يرى الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي أن من أهم السبل التي تتكفل تحقيق الأمن أخذ الأنشطة الاقتصادية على محمل الجد وتوفير فرص العمل، لأن العمل يمثل هاجسا للشباب وغيرهم، وحين يمتلك المرء عملا شريفا فإنه لن يستسلم بسهولة إلى الأعمال الخطيرة كتهريب المخدرات، حتى لو لم يكن عمله يدر عليه دخلا كبيرا.

ويضيف قائلا: أتصور أننا لو منحنا الأولوية هنا للأنشطة العمرانية فسنساهم إلى حد كبير في معالجة هذه القضايا ( الأمنية )، كما أن قسما ملحوظا منها ستتم معالجته حين ننجح في تحقيق العدالة ومساعدة المعدمين بشكل أفضل.

لقد ضعف في الواقع إحساس الإنسان الفرد بأمنه، بسبب ما يشهده من وقائع، كارتفاع معدل السرقات والسطو المسلح على البيوت والمحلات الخاصة، وتقييد معظم الحالات ضد مجهول، وزيادة حوادث العنف بكافة أشكاله، وانتشار المخدرات، وحوادث الطرق، وارتفاع نسبة البطالة، وغير ذلك، مما له آثاره السلبية على أمن الدولة بكل تأكيد.

أخيرا نقول بأن توفير الحياة الكريمة للإنسان الفرد هو المدخل الأساس لأمن الدولة أي دولة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
احمد العزيز
[ السعودية - ام الحمام ]: 28 / 10 / 2009م - 7:50 م
لو قامت الدولة القوية التي تقوم على حكم المؤسسات والقانون وفصل السلطات وتداولها , لجنينا الكثير من التنمية والبناء للأفراد والجماعات على السواء ويتجلى ذلك بخصوص في عالمنا الثالث الذي أصبح مكمن التطرف والفقر والبؤس والكوارث بكافة اشكالها , وكل ذلك أدى لبروز فئات سلبية استغلت عقول الشباب نحو الخروج على المجتمع بشكل مستهجن فيما بيننا.
وبالنسبة للرئيس الإيراني السابق أحب أن أضيف ان التنظير شيء وممارسة السلطة شيء آخر ففترة الثماني سنوات فيها كانت مخالفة لفكره في الأمن والإقتصاد وهذه هي حصيلة الأنظمة الشمولية عادة !!
نعم ياأستاذ بدر كان مقالك متألقا في توصيف الحالة الراهنة ليس فقط في مجتمعنا بل في الحالة الإقليمية والعربية عموما .
سلمت ودمت .
2
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 29 / 10 / 2009م - 12:27 م
استاذي العزيز صاحب الحضور الفاعل في الميدان الفكري كما هو في الميدان الاجتماعي استحضرت من خلال هذا الموضوع نقطه مهمه جدا و هي الامن على مستوى الدوله و على مستوى الانسان و لا يمكن ان يتحقق امن للدوله بدون ان يشعر الانسان بالامن . عندما يتوفر لهذا الانسان فرص التعليم و فرض التوظيف و فرصة ممارسة معتقداته الدينيه و التعبير عن حقوقه و قناعاته سوف يكون له انتماء لهذه الدوله حتى و ان اختلف معها في بعض المواقف اما اذا كان العكس سوف يشعر هذا الانسان بالتدمر و سوف تصغر الدنيا بعينه مما يقلل من ولائه لهذه الدوله و سوف يأخده التفكير للحصول على حقوقه عن طريق العنف و يكون عرضه لللاستقلال من قبل بعض الجماعات و يوظف لصالحهم في محاربة استقرار و امن هذه الدوله فأذا اردت تحقق امن للدوله فعليك ان يشعر قاطني هذه الدوله بالامان و الاستقرار حتى يكون حصنا حصينا للدفاع عن هذه الدوله فلا امن للدوله بدون ان يتوفر الامان للانسان على شتى الاصعده . و دمت يا سيدي العزيز جنديا امينا على مجتمعك و وطنك و نحن معاك في خندق واحد لا تزعزعنا الرياح مؤكدين الولاء لهده التربه التي تستحق ان نبدل الغالي و النفيس لتحقيق الامان لها و للانسان الدي يعيش عليها .
3
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 29 / 10 / 2009م - 7:46 م
أخي العزيز أحمد العزيز
أتفق مع رؤيتك الصائبة حول دولة المؤسسات والسلطات المستقلة وضرورتها لتسريع عجلة التنمية.. فالدول النامية في الواقع الراهن كمثل عجوز يدخل في سباق مع شاب في كامل لياقته، وأمام العجوز الكثير من الحواجز بينما تخطى الشاب كافة الحواجز وأمامه ساحة مفتوحة.. هذا هو حالنا مع الغرب المتقدم علميا وتكنولوجيا.
بالنسبة لما ذكرت حول أداء السيد خاتمي فأنا قد استشهدت بكلامه باعتباره مفكرا ممارسا، ولست - كما تعلم - في وارد تقييم تجربته، وأعتقد أن من الجيد أن تطالع كتاب الدكتور توفيق السيف: حدود الديموقراطية الدينية، والذي يناقش بموضوعية وحيادية التجربة السياسية الإيرانية، والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراة.
مع خالص شكري وتحياتي ..
4
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 29 / 10 / 2009م - 7:59 م
أخي وعزيزي المستقل
عودتنا على حضورك المتألق في هذه الشبكة فأصبحنا ننتظر إطلالة تعليقاتك ومداخلاتك، ونفتقدك إن تأخرت قليلا.
كما ذكرت في تعليقك فلا يمكن أن يتحقق أمن الدولة الحقيقي دون تحقق أمن الإنسان.. والمثال على ذلك ما حدث في العراق حيث انتهت الدولة البوليسية القمعية في وقت قياسي لأنها لم تكن تهتم بأمن إنسانها، وإنما كانت تهتم بأمنها فقط.
أشكرك على فكرك النير ودمت مستقلا.
شاعر وأديب