الدعاء مخ العبادة، فلماذا لا نهتم به وبقرائه
« ورتل القرآن ترتيلا»
لتلاوة القرآن الصحيحة الجميلة أثر. وللصوت الملكوتي وقع في القلب ومستقر.. وللدعاء الجماعي ومجالس الذكر محل اهتمام عند ذوي الايمان وأولي الألباب والفكر.
فتحسين الصوت في تلاوة القرآن وقراءة الدعاء والزيارة وغيرها من القراءات العبادية شيء مرغوب بشدة على مستوى الفرد ليؤنس بها نفسه ويتذوق حلاوة ما يقرأ، وتزداد أهمية ذلك حينما تكون تلك القراءة لجموع الناس أو أمام الاعلام، لأنها في حينه ترقى لاعتبارها مفخرة وخدمة دينية دعوية رسالية ينتخب اليها أفضل المؤدين.
ولذا نلاحظ هذا الاهتمام على كافة المستويات المحلية والدولية من بعض الدول لقراء القرآن وعمل المسابقات، ورصد الجوائز القيمة تشجيعاً لهم على هذا الإبداع القرآني الجمالي الروحي.
اضافة الى ما نلاحظه من اهتمام لدى العديد من الدول الاسلامية بالمساجد وتهيئتها من الناحية الفنية والبشرية بما يخدم جوانب الابداع العبادي والروحي، بل البعض يتم تخصيص له راتب مقطوع لقاء التزامه بأداء الأذان وتنسيق خدمات المسجد وتزويقه وتنظيفه وليس هذا بالمنكر ما دام يصب في مصلحة المؤمنين والمصلين الذين يؤمون تلك المساجد متلهفين للقاء الله في بيته.
مجتمعنا وقارىء الدعاء:
الملاحظ لدينا في مساجدنا فيما يخص محافل الذكر وقراءة الأدعية المأثورة وبالأخص التعقيبات، هو انها تعاني من عدم اهتمام بها وبقارئها المحترم.
وقد يلاحظ الكثير منا أمراً يكاد يصبح ظاهرة، وهو أن الكثير من المصلين بمجرد التشهد والتسليم في نهاية الصلاة «فريضة العشائين بالأخص التي يحضرها معظمنا» ينهض الكثيرون لتأدية صلاة النوافل غير مكترثين باستماع دعاء التعقيب بخضوع كما صلوا بخشوع، تاركين قارىء الدعاء لوحده.. فكيف هو حاله؟!
إما ان يشعر بالوحدة وعدم الاهتمام بقرائته فيبادر بالعجلة لينتهي!
وإما ان يشعر بانكسار ويصاب بالاحباط متسائلاً: لمن أقرأ الدعاء ان قام الجميع لصلاة النوافل؟
والأدهى حينما يقوم امام الجماعة معهم أيضاً؟!
وهنا نتساءل.. أليس الدعاء عبادة كما الصلاة عبادة؟
أليس الدعاء وما يحويه من مخزون وخيرات هو كنز وتراث لأهل البيت وعلينا احترامه وتوقيره ومن ذلك أن نحسن الاستماع اليه كما نحسن الاستماع لآيات الله عز وجل «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون»..؟
للأسف.. لعل الكثير من المصلين لا يعطي هذا التصرف الاهمية السلوكية لما له من تبعات تؤثر على قارىء هذا الدعاء الذي تعنى للخدمة، وتأهب واستعد للوفادة بين يدي الله عز وجل بصوته وروحه وتضرعه داعيا لجموع المؤمنين الراجين رحمته، حاملاً طلب الاجابة لحوائجهم الى الله نيابة عنهم، رافعاً عنهم عبىء الخذلان من قوم استخفوا بالدعاء فنزلت عليهم النقم والشرور « قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم».
فهل الى هكذا سلوكيات من سبيل للنهي عنها؟!
وبرأيي اما ان ينبه امام الجماعة ويوعي المصلين لهذا مبادرا هو بالاهتمام بالاستماع، أو أن يؤجل قراءة الدعاء الى بعد نهاية فرض العشاء فتكون هنالك جلسة عبادية مفعمة بالدعاء والتضرع والحرية لمن اراد ان يستمع فيستمع بخشوع، ومن غادر فلا عتب عليه.
«أيكم أحسن عملا»:
فيما يخص قراء الأدعية والزيارت نلاحظ ظاهرة جميلة تقودها حملات الحج والزيارة بانتخاب أفضل قراء الأدعية والمنشدين والمداحين الى جانب أفضل المرشدين وأقدرهم مع توفير افضل خدمات النقل والإطعام، لشعورهم بأن هذه الأمور من أهم عوامل الجذب للحجاج والزوار للالتحاق بحملتهم..!
وهذا هو الصحيح، وينبغي تعميمها كثقافة على باقي المؤسسات الخدمية الدينية كالمساجد والحسينيات ومجالس الذكر والجمعيات والأندية وغيرها، اهتماماً منا بأفراد مجتمعنا المستحق لكل لمسات الجمال التطويرية عبر كوادر بشرية قادرة على ان تجذب الناس الى تلك الأماكن المفيدة النافعة لكل فرد منا جسدياً وروحياً، عقلياً وبدنياً، ذكوراً وإناث، خاصة في عصرنا الحاضر الذي أصبحت الأمور اللاهية كثيرة وجذابة للكبار والصغار وشغلتهم عن امور دينهم وتقواهم وتزكية أنفسهم، بل وأثرت على مستوى تلاقيهم وتواصلهم اجتماعياً، ومنها ما أثر واقعاً على عدد مرتادي المساجد ودور العبادة التي هي محط اهتمامنا في هذا المقال.
هنا تزداد الأهمية وتعظم المسؤولية علينا جميعاً لإعادة الانبعاث بضرورة تطوير وابتكار عوامل جذب لرواد المساجد وتشجيع المؤمنين صغارا وكباراً وشباباً للحضور بفاعلية والتواجد برغبة وحب، وذلك بتوفير ما يحتاجونه من أمور.
ولعل من أهم تلك الأمور - بعد بناء المسجد ومرافقه - توفير البيئة المريحة والنظيفة والجميلة بل والمعطرة ايضاً، الى جانب الكادر والطاقم الاداري المتميز بأخلاقه وسجاياه وفكره الخلاق، والمكون من أشخاص يقودهم إمام جماعة لديه مقومات التوجيه والارشاد والتطوير والتفاعل مع المجتمع.
بهؤلاء وبوعيهم بأهمية دورهم الرسالي لهداية الناس للخير والانجذاب للمسجد سيكون حقاً تأثير في تحفيز الناس ليأتوا للمساجد مسارعين ومستأنسين بما يلقونه من حفاوة وترحيب وتشويق، فيطول مكوثهم في المساجد، واستئناسهم بالصلاة وتلاوة القرآن وقراءة الأذكار، وسيكون بتوفيق الله نتيجة ذلك مذهلة لو عملنا وأحسنا وصبرنا خدمة لعباد الله.
الأدعية استثمار في عالم العروج:
دعاء كميل نموذج
دعاء الندبة نموذج
دعاء الامام الحسين يوم عرفة نموذج
الزيارة الجامعة نموذج
أدعية التعقيبات نموذج
وكل أدعية أهل البيت عظيمة المعاني جليلة القدر جميلة اللفظ، تأنس بها النفوس، وتنقشع عن ضمائرنا سحائب الضيق والأياس.
فأدعية أهل البيت محط رحال كل طالب حاجة، فلا ترى موضوع إلا وتطرقت اليه أدعيتهم ومناجاتهم وحكمهم ومعارفهم، وهنيئاً لمن توفق لسبر أغوارها وعايش معانيها.
ولذا فمن الواجب علينا كرساليين وخدام في المساجد والقيمين أن نظهر تلك الكنوز من مضانها ونوصل للناس رسائلها ومعانيها، مستغلين كل فرصة لتواجد الناس في المساجد لنقرأها عليهم تبعاً للحدث المعاش والمناسبات التي نحييها أو الوقائع التي تحدث علينا، فيتعرفوا اكثر على عظمة أهل البيت سلام الله ويتبعوا نهجهم وتثبت عقيدتهم، وكما قالوا سلام الله عليهم «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا».
.. فالسلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة، وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم، وقادة الأمم.
من هنا تكمن أهمية اهتمامنا بالدعاء وبمن يقرأ الدعاء في المساجد ويتأكد أكثر الجوامع الكبيرة، والاهتمام بمن يستطيع تحمل أمانة ايصال تلك الرسائل باقتدار الى أسماع الناس لينصتوا اليها لعلهم يفلحون ولعلهم يرشدون.. وعلينا أن نستثمر كل طاقة قرائية مبدعة لنقدمها للناس كوسيلة خير وطاقة معرفية تعين المؤمنين لبلوغ المنى والشوق لعلوم أهل البيت ومحاسن كلامهم ومعارفهم.
ولذا نحن بحاجة لقراء متمكنين من سبر أغوار أدعية أهل البيت ومناجاتهم وحكمهم وخطبهم، ممن وفقهم الله لتلمس مجسات نبضها الرقيق، وكلماتها الفائقة الجمال والروعة، ليبثوها للمستمعين بكل اقتدار وصحة ودقة لتصنع الأثر المطلوب في النفوس، ولا يتحصل ذلك الا بحسن القراءة لتلك الكلمات الربانية الملكوتية الراقية الرفيعة.
قراءة الدعاء موهبة فردية وخدمة اجتماعية:
لقد جبلت بعض المجتمعات على الاهتمام بذوي المواهب والافتخار بها وإبرازها، وهذا ما يزيد المجتمع تقدماً ورقي في جميع جوانب حياته وفي كافة مؤسساته ومقدراته.
وفي عالمنا الاسلامي برزت دول تهتم حقيقة بقراء القرآن والأدعية والمواهب الصوتية الخادمة للأمة، مهيئة لهم الظروف والأجهزة والبيئة المحيطة للعطاء والابداع.
لكن في مجتمعاتنا للاسف نلاحظ التقصير في هذا الجانب المهم الذي اشرنا لأهميته أعلاه، فلا يلقى القراء والمنشدون والمداحون والرواديد المبدعون الاهتمام والأولوية والمنزلة الاجتماعية التي يستحقونها وذلك يرجع لعوامل عدة من أهمها:
- عدم الوعي الاجتماعي بأهمية تقديم الأفضل، وتأثير ذلك على باقي المبدعين.
- عدم الاهتمام برفع مستوى الذائقة القرائية لدى الناس بل بالقراءة بشكل عام.
- انشغالنا بمواهب غيرنا وتركنا لمواهبنا المحلية تغرق في بحر النسيان والاهمال.
- التكاسل الاجتماعي عن خلق المبدعين في عالم الالقاء والاكتفاء بالنزر القليل من المبدعين الذين ساعدتهم الظروف للبروز.
- وغيرها من العوامل.
وهذا خطأ فادح بحق المواهب الصوتية المتواجدة بيننا، وأمر يؤسف له ان تلك المواهب لا تلقى النصيب الأوفى في مجتمعاتنا فنراها مع الايام تخبو وتذوب وتنشغل عن الخدمة، فيضطر قيموا المساجد مثلاً الى تقديم اياً كان لقراءة الدعاء في التعقيبات والأدعية الأخرى، وبهذا الفعل وأمثاله تحدث الطامة الكبرى في المجتمع الكسول عن احتضان ابنائه المبدعين في عالم القراءة والقراء والتقديم والانشاد والعزاء.
لذا فالتأكيد منا على وجوب اعادة النظر في الطريقة التقليدية لانتخاب قارىء الدعاء الكفوء الموهوب، وتعميمها كثقافة وتقديم ذا الموهبة، وأن نمنحه التقدير والمكانة مثله مثل أي موهوب ومتخصص في أي جانب من جوانب العلم والمعرفة والتخصص.
الله الله في نظم أموركم:
الامر المطلوب لتنظيم ذلك الشأن العبادي يعتمد على ثلاثة عناصر محفزة لانطلاقته:
- امام الجماعة
- القيم على المسجد أو الجامع
- جماعة المؤمنين رواد المسجد
فعلى امام المسجد أن يوضح للمؤمنين وقيمي المسجد على أهمية ان يتسابقوا لجذب الطاقات والتخصصات لينهضوا كلجان عمل من خلال المسجد، ومن تلك الطاقات القراء المتقنين ولا نبخسهم حقهم من التشجيع وبالأخص الصغار منهم.
اما القيمون على المساجد فعليهم الاهتمام بهذا الجانب وتكوين لجنة تخدم هذا الاتجاه وتهيء لها فرص النجاح والنهوض بالخدمة من النواحي الفنية والتنظيمية.
وأما المؤمنين فعليهم أن يرتقوا بأذواقهم ومشاركتهم في تشجيع كل عمل وخدمة تطور العمل في المسجد وان يعرفوا بطاقاهم ويجذبوها للمساجد لتشارك وتتطور، فمن لديه قدرة في قراءة الدعاء او الأذان عليه ان يفصح عن تلك الموهبة ليتم استثمارها من قبل لجنة الأدعية المنصوح بها، فتقوم بواجبها نحو ابراز او تهذيب تلك الموهبة ان وجدت وتطويرها.
وبذا نكون بتلك العناصر قد وفرنا البيئة السليمة للابداع والخدمة في جانب الدعاء وقراءته بالصورة المطلوبة وتعكس اهتمامنا بتراث أهل البيت .
ولنبدأ بدعوة منسوبي المدارس القرآنية للمشاركة والانتساب للمساجد، ودمجهم مع الطاقات المتوفرة في نفس المسجد ليتعانوا على خدمة المؤمنين عبر جدول وآلية يرتضونها.
وليتحول الى مشروع تطويري بتلك اللجنة التي أنصح أن تتكون من قارىء متمكن ومعلم لغة مساعد وكادر يخدم ويهيىء البيئة والأمور الفنية المطلوبة لنرى انجازاً حقيقياً لهذا العمل وتقديم تلك الخدمة باقتدار وتأثير.
- فيتم دعوة القراء المتمكنين.
- دعوة الراغبين في التعلم وتقريبهم للقراء الأساسيين.
- عمل جدول توزع فيه اسماء القراء على الفرائض.
- متابعة التنفيذ وخطة عمل لدورات تطويرية للجميع يستفيد منها الجميع.
- الاهتمام بتكريم اللجنة والأعضاء والمشاركين.