العلاقة بين الحاجات الإنسانية..!!
برغم قوة الإنتماء للأرض، وصعوبة إجتثاث جذور الفرد منها، إلا أنَّ هناك مَن آثر هجران وطنه - من علماء ومفكرين أو حتى أشخاص عاديين -، والمكوث في بلدٍ آخر بحثاً عن «التقدير»، أو «تحقيق الذات»، أو كلاهما معاً، هذا في ضفّة، وفي الضفّة الأخرى، نجد مَن لا يزال يلهثُ في سبيل تحقيق «حاجاته الفسيولوجية» في وطنه، كالمَأكل والمَشرَب والمَلبَس وغيرها.
ثَمَّة تباين جَليّ بين الضفتين من حيث كميَّة وكيفيَّة الحاجات والأهداف، فلو سألنا أحد مَن يقفون على ضفَّة البحث عن «التقدير» أو «تحقيق الذات»: «هل تمتلك ثياباً؟ أو هل لديكم عشاءً؟» لغرق في نوبةٍ من الضحك، بينما لو سألنا أحد مَن يقفون على ضفّة البحث عن «الحاجات الفسيولوجية»: «هل تبحث عن المكانة والوجاهة الاجتماعية؟ أو هل تبحث عن استثمار عقاري ضخم؟» لاشتاط غضباً.
قد يعتبر أصحاب «الحاجات الفسيولوجية» الهجرة من الأوطان لمُجرّد «البحث عن التقدير» أو «تحقيق الذات» ضرباً من الجنون، لكن ربما لو دَلَفوا مستقبلاً من هذه المرحلة لَترجَّلوا عن الكثير من قناعاتهم السابقة، وكانوا أكثر جنوناً. فقد نجدهم يبحثون عن «التقدير» في كوكب آخر، بمعنى أنه قد تأخذهم رحلة بحثٍ علمي إلى الفضاء، وهذا قد يندرج تحت مظلة «البحث عن التقدير» أو «تحقيق الذات».
مَن وصل لمرحلة البحث عن «التقدير» أو «تحقيق الذات»، من المؤَكّد أنَّه مَرّ بمجموعة من مراحل البحث عن الحاجات الانسانية المختلفة، وربما تكون من بينها مرحلة البحث «عن الحاجات الفسيولوجية» مُسبقاً، لكن بعد أنّ وصل لمرحلة الإشباع منها لم تعُد تعني له شيئاً، وإلتفتَ لحاجاته الغير مُشبعة التي تليها، فالتسلسل المنطقي في الحاجات أمرٌ مهم، لأن كل مرحلة زمنية تتسم بحاجات تختلف عن التي قبلها، وكذلك التي بعدها، وأيضاً قد ترتبط هذه الحاجات إرتباطاً وثيقاً بما قبلها أو بعدها، فلا تكون قابلة للتحقيق إلا بعد تحقيق ما قبلها، ولا تكون قابلةً للتجاوز إلى ما بعدها إلا بتحقيقها.