حاتم الطائي و العطاء بلا مقابل !!
طبيعة النفس البشريّة مُريدة ، فلا يعمل أحد فينا دون أن يضمن أن هناك مقابلٌ لعمله ، فالطالب يدرس ابتغاء النجاح ، و الموظف يعمل طمعاً في الراتب ، و المتسابق يبذل قصارى جهده لأجل الفوز ، و المُبدع يُبدع كي ينال المَجد و الشُهرة و المال ، و العابد يُكرّس جُلّ وقته في العبادات و الطاعات كي ينال مرضاة الله و غفرانه ، و حتى مَن ينخرط في العمل التطوعي الخيري يطمع في الجزاء و الثواب من الله عز و جلّ ، و لو كان العمل التطوعي دون ثواب من الله سبحانه لما رأينا متطوعين و لا كوادر خيرية .
لكن ألم يتبادر إلى أذهاننا أن هناك أناس بذلوا في سبل الخير دون انتظار المقابل المادي أو المعنوي ، الدنيوي أو الأخروي ، و منهم حاتم الطائي الشاعر الجاهلي الذي توفي في السنة 46 قبل الهجرة ، و عرف أنه جواد كريم معطاء ، فقد كان يذبح من الإبل عشراً كل يوم ، و يطعم الناس منها ، و كان يشعل موقده حتى يراه الضيف من بعيد و يستدلّ به إلى بيت حاتم فيأتي كي يأكل و يشرب ، و كانت مصر تُعظّمه في الجاهلية .
من المواقف الشهيرة في سيرة كرم حاتم الطائي ، أنه لفى إليه ثلاثة من الضيوف الذين يجهلهم ، و عندما عرفهم كانوا الشعراء عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني ، فسألوه طعام الضيف ، فنحر لهم ثلاثة من الإبل ، فقال عبيد : إنما أردنا بطعام الضيف اللبن و كانت تكفينا ، فقال حاتم : رأيتكم وجوهاً مختلفة و أشكالاً متعدِّدة ، فظننتكم من بلادٍ مُختلفة ، فأردت أن يذكر كل واحد منكم ما رآه عند قومه ، فانهالوا عليه مديحاً من شعرهم ، فذبح لهم كل ما يملك من الإبل .
الآن ، و مع وجود الثواب و المَجد و الإعلام و الشهرة ، هل نجد مَن يتمتّع بربع سجايا حاتم الذي كانت تفخر به القبائل العربية كلها ، و الذي كان يفعل الخير دون أن يعلم بوجود الثواب ؟!