ولدي و أنا أبخص فيه !!
كان اليوم خميساً ، و كانت الساعة تُشير إلى الواحدة ظُهراً ، و كنتُ وقتئذٍ خارجاً من الرياض ، قاصداً الأحساء ، فوَقَفتُ في محطة بنزين تبعُد عن الرياض بضعة كيلومترات كي أُغذّي سيّارتي بالوقود قبل خَوض هذه الرحلة الطويلة ، و كالعادة ..
طلبتُ من عامل المحطة أن يملأ الخزان كاملاً بالوقود ، و تَرَكتُ له السيارة كي يتولَّى أمرها و اتَجَهتُ لبقالة المحطة كي أشتري بعض الحاجيّات للطريق ريثما ينتهي العامل من تعبئة الخزّان ، و قبل أن أدخل ، رَمَقَت عَيني سيّدةً تَجلس عند باب البقالة بطفلٍ رضيع لا يتجاوز عمره السنة في تلك الساعة القاسية من الصيف المُحرِق ، و الذُبابُ المُعَربِد يحاصرهما و ينال من ملامح هذا الطفل المُنهَكَة جرَّاء حرارة الجوّ .
دَخَلتُ البقالة و قد امتلأ صدري بالحَنَق لِما رأيته ، و شعرتُ بَفَتقٍ يحتاج إلى رَتْقٍ في داخلي ، صرت أتجوَّل بداخل تلك البقالة و في ذهني هذا المنظر الذي رأيته حاضراً أمامي لم يغيب ، و ما أن انتهيتُ مِن التسوُّق و خرجتُ ، إلا و ما لبثتُ أن اقتربتُ منها و انخفضتُ إليها كي امنحها حَفنَة ريالاتٍ ، و في نفس الوقت ، ارضي تطفّلي و قبله إنسانيتي و أهمس إليها بهذه السؤال : لِمَ لا تأتين بعد صلاة المغرب حتى يكون الجوّ أفضل ؟! فالجو الآن حارٌّ جداً ، و أنتِ تجلسين بهذا الطفل تحتَ أشعّة الشمس التي صَهَرَت دماغه الطَريّ ، و بين هذا الذباب الذي ضاق ذرعاً بسببه ، و هو لا يحتمل ، حرام .
فردَّت عَلَيّ قائلة : (( هذا ولدي و أنا أبخص فيه ، ما في شمس )) طبعاً استشفَّيتُ من ردها عَلَيّ أنها واجهت مثل هذا اللوم الذي وجَّهته لها مراراً ، و هذا ما دعاها لأن ترُدَّ عليّ بهذه الطريقة ، لكني لم آبَه لفظاظتها و لم اكترث لنَهرِها ، بل ما هَمَّني و آلمني هو انتهاك الطفولة البريئة و استغلالها كسلعة رخيصة لاستجداء و استعطاف المارَّة في أجواء مناخية يتأثر منها الكبير، فضلاً عن طفلٍ رضيعٍ .
و قد تكرَّر أمامي منظر المرأة التي تحمل طفلاً رضيعاً عشرات المرات إن لم يكن مئات في الإشارات المرورية و الأسواق و الأماكن العامَّة ، و في أكثر من مدينة ، و هذا يدعونا لطرح التساؤلات الكثيرة و وضع الإستفاهامات العَديدة ؟؟؟؟؟؟؟؟
* إن كانت القضية تستحق المناقشة فلا تبخلوا علينا بما يجود به فكركم الوضّاء