فتيات يستخدمن أجسادهن في تهريب المخدرات.. ومطالبات بتضافر الجهود لـ «المكافحة»
دراسة: 204 آلاف مدمن ومدمنة في المملكة 20% منهم نساء
الدمام – أحمد آل منصور ، محمد خياط
- العجيان: لا شفاء من التعاطي، والإدمان نهايته المستشفى أو السجن أو الموت
- الزهراني: نسبة المتعافيات تصل إلى 45% .. والحشيش والهيروين والكحول هي المنتشرة بين النساء
تعد المخدرات من المشكلات التي تؤرق كافة دول العالم لما لها من أضرار بالغة على النواحي الاجتماعية والصحية والاقتصادية، وما زالت تشكل خطرا يهدد حاضر ومستقبل المجتمع ما لم يتم اقتلاع جذورها بشكل نهائي. ورغم الجهود التي تبذل لمحاربتها ومكافحة كل من يتعامل بها انتاجاً أو زارعة أو تصنيعاً أو تهريباً أو ترويجاَ، إلا أنها لاتزال تتفشى عاماً بعد عام. الأمر الذي دعا الجهات المختصة إلى إطلاق برنامج توعوي عن أضرار المخدرات عبر «البرنامج الوطني الوقائي» الذي يستهدف أكثر من خمسة ملايين طالب في قطاعات التعليم العام.
وكشفت دراسة قدمتها وزارة الداخلية السعودية إبان المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات عن وجود 204 آلاف مدمن ومدمنة في السعودية ما يعادل أكثر من 1.1% من السعوديين، 20% منهم نساء.
وتؤكد (م . ع) التي تعافت من الإدمان مؤخراً، أنها بدأت رحلة التعاطي عن طريق شم رائحة المناكير، والصمغ وتطورت بعد أن تعرفت على شاب في إحدى الحفلات الماجنة وأقنعها على تعاطي الإبر، وكشفت أنها وفي سبيل الحصول على المخدرات اضطرت إلى تهريبها عبر المنافذ الحدودية مستغلة جسدها وحشو المخدرات في جوفها و«الأجزاء الحساسة» من جسدها لتمويه الجهات الأمنية. وتطرقت (م . ع) إلى المعاناة التي عاشتها مع الإدمان، قائلة «عانيت لمدة ثلاث سنوات في حياة لا قيمة لها ولامعنى خسرت خلالها أهلي وصديقاتي وكل من كان حولي، وكان همي الوحيد هو إشباع رغباتي، حتى تعرفت على صديقة انتشلتني من هذه الحفرة، والآن أعاني من بعض الأمراض بسبب ماكنت أتعاطاه».
وتقول ح. ن « تعاطيت المخدرات وأنا في المدرسة وكنت أهربها داخل جسدي ودخلت عالم الادمان عن طريق صديقتي وتم ضبطي في المدرسة عندما قامت المعلمة بتفتيش طالبات الفصل وفي أثناء التفتيش، أخذت شنطتي بسرعة فانهلت عليها أدفعها بقوة لكي أحصل على الشنطة فاجتمعت عليّ سبع مدرسات وفُتحت الشنطة التي كنت أحمل بها « البودرة» و أخذت عينة منها اتضحت أنها من أنواع المخدرات، وتم فصلي من المدرسة، وأنا نادمة وأحس بالحسرة على ماكنت أفعله فقد خسرت أهلي ودراستي وكل صديقاتي.»
وأكد مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية عبدالإله الشريف أن استخدام الزوجة أو البنت في ترويج وتهريب المخدرات بينتها تقارير وزارة الداخلية، ولكنها تعتبر نسبياً قليلة، وبين أن في المديرية العامة لمكافحة المخدرات عدد كبير من الباحثات والمدربات اللاتي يساهمن في عملية التوعية، وتم تنفيذ سبعة برامج علمية في عدة مناطق من المملكة بهذا الخصوص.
وبين مساعد المدير العام للجمارك للشؤون الفنية والمعلومات حمد بن سليمان القسومي أن الجمارك السعودية تتوافر لديها كافة وسائل الدعم للإطاحة بمهربي المخدرات قبل دخولهم السعودية، ومن أبرزها استخدام أنظمة الفحص بالأشعة وأجهزة قياس الكثافة وقياس الأبعاد والمناظير للأماكن المغلقة واستخدام الوسائل الحية «الكلاب البوليسية» بالجمارك.
وقال القسومي «إن الجهود كافة تتضافر لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، وإن رجال الجمارك والقطاعات الأمنية الأخرى كافة بيقظتهم وفطنتهم يحولون دون دخول المخدرات السعودية، باعتبارهم العيون الساهرة على حدودها التي ترصد كل من يحاول استهداف أمن هذا الوطن ومقدراته، كما أن الجمارك تبذل دوراً فعالا في مجال مكافحة تهريب المخدرات، وتعمل باستمرار على تكثيف الجهود وتنسيقها على المستويين الداخلي، المتمثل بالتنسيق المشترك مع الجهات الأمنية، والدولي الوثيق مع المنظمات والهيئات العاملة بمجال مكافحة المخدرات، بغرض تبادل المعلومات المتعلقة بالتهريب، التي دائماً تقود للمهربين والإطاحة بهم قبل دخولهم إلى السعودية.
وأضاف القسومي «عن الإمكانيات والوسائل المساعدة في الكشف عن تهريب المخدرات، فإن الحكومة الرشيدة قد وفرت لرجال الجمارك وسائل الدعم كافة، من أبرزها استخدام أنظمة الفحص بالأشعة وأجهزة قياس الكثافة وقياس الأبعاد والمناظير للأماكن المغلقة واستخدام الوسائل الحية (الكلاب البوليسية) بالجمارك في عمليات فحص الشاحنات والسيارات والإرساليات الواردة بغرض إحكام الرقابة على تهريب المخدرات وتبسيط وسهولة الكشف على الأمتعة والحقائب للركاب.
وتطرق المعالج النفسي لمرضى الإدمان فيصل آل عجيان إلى مجموعة العوامل التي تساعد على التعاطي، وقال « للبيئة والتنشئة الاجتماعية دور كبير في توجه الفتاة إلى التعاطي ، كما أن لكل شخص عوامل بيولوجية، تساعده في توجه السلوك، هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل الرغبة والاتجاه وتكوين الهوية، مثل فشل الفتاة في حياتها المهنية أو الدراسية فتكون غير راضية عن حياتها وهويتها الاجتماعية فتلجأ إلى لعب دور سلبي تجاه نفسها.»
وأضاف آل عجيان «لا يوجد شفاء من التعاطي بل يسمى تعافي، والتعافي هو ترك المادة المخدرة لفترة من الزمان والابتعاد عن العوامل المؤدية إليها، مثل رفقاء السوء، فقد كنت أعالج مريضا توقف عن الإدمان لمدة عشرين سنة وبسبب بعض الظروف المحيطة رجع للمخدرات وانتكس مرة أخرى وباع البيت الذي جمع المال من أجل بنائه طيلة العشرين سنة الماضية.»
ويشير المعالج النفسي إلى أن تعاطي المخدرات يقود للإجرام، محذراً من تفشي الظاهرة وقال «إن غالبية جرائم القتل والسرقة يكون أصحابها من المتعاطين، كما أن المتعاطي يتحول لمروج للحصول على المال، وهناك منطقة في المخ تسمى المنطقة السوداء، لا يكون المدمن مدركاً لتصرفاته، وغالبا ما تلجأ المرأة المدمنة لبيع شرفها للحصول على المخدر، وأكثر الذين قمت بعلاجهم كانوا يؤكدون أنهم يعرفون مدمنات.
وأوضح آل عجيان أن العلاج في المستشفى يتم بسرية تامة، ولكنه قد يكون محرجا للفتاة بحكم ثقافة المجتمع والحواجز النفسية وفي الأغلب لا تستطيع أن تحضر إلا مع ولي أمرها، مبيناً أن الأيام الخمسة الأولى هي الأخطر وتسمى مرحلة الانقطاع عن المخدر وسحب الأعراض، ثم يبدأ المريض في تلقي الدورات النفسية والمهدئات بالإضافة إلى المحاضرات التثقيفية، وفيها يكون بعيداً عن المجتمع لمدة شهر كامل يقيم في المستشفى ، مشيراً إلى أن الشخص عندما يأتي بإرادته للمستشفى يعامل كمريض وليس كمجرم، ويبين أن نسبة المتعافين والمتعافيات لا تزيد عن 2% في أفضل الحالات وهي مرتبطة بنوع المخدر والمدة الزمنية، ويضيف أن نهاية المتعاطي ثلاث لا رابع لها إما المستشفى أو السجن أو الموت . .
و قالت الدكتورة نورة الغامدي المتخصصة في علاج حالات الإدمان، عن خوف الأسر من الفضيحة «حتى وقت قريب كانت البنت السعودية المتعاطية للمخدرات تشعر بالخجل والخوف من الفضيحة، وهذا ما دفع بعض الأسر إلى إنكار وجود مدمنة بينهم، ولكن بعد المساهمة الإعلامية وحملات التوعية التي تبذلها الإدارة العامة في مكافحة المخدرات خرجت أصوات قليلة تشير إلى وجود مدمنة في السكن أو في المنطقة المجاورة تحتاج الى علاج .»
وعدت الباحثة التربوية استقلال الحليو العوامل التي تدفع الفتاة للتعاطي وقالت « إن الاحتياج العاطفي من أهم الأسباب المؤدية للتعاطي فغالباً ما تقيم الفتاة علاقة عاطفية مع شاب يجرها إلى الإدمان، وأيضا المشكلات الأسرية التي تجبر الفتاة إلى اللجوء للمخدر للهروب منها، وكذلك رفقاء السوء والرغبة في التجربة والاطلاع على الجديد بالإضافة إلى الرفاهية المادية في ظل غياب الرقابة الأسرية وضعف الوازع الديني .»، وتضيف الحليو «أن فترة المراهقة تعتبر من أهم المراحل في حياة الفتاة ، وأن للأسرة دورا كبيرا في الرقابة والتوجيه وإشباع الرغبات وكذلك المشاركة في اختيار الصديقات، وتطالب بتكثيف التوعية من هذه الآفة عن طريق إقامة المحاضرات وطباعة المنشورات و إقامة المعارض الدورية في المدارس خاصة لخطورة سن المراهقة في هذه الفترة .»
و كشف مدير مجمع الأمل للصحة النفسية بالدمام محمد الزهراني، أن نسبة المتعافيات من إدمان المخدرات في مجمع الأمل تصل بين 40 إلى 45% وتعتبر هذه النسبة مرتفعة جدا، وبين أن أنواع المواد المخدرة المنتشرة بين النساء غالباً هي الحشيش والهيروين والكحول والفيتامينات المنبهة. ومعظم فئات حالات الإدمان من النساء من الفئة العمرية بين عشرين إلى أربعين سنة، وفي حالة كان العمر أقل من 18 عاما هناك إجراءات خاصة للتعامل مع المدمن وهو وضعه تحت الملاحظة الخاصة، وأن كلمة متعافٍ تطلق على من ابتعد عن تلك المخدرات لمدة تزيد عن ستة شهور وأنها عملية مستمرة مدى العمر. وبين الزهراني مدير المجمع، أن أسباب الإدمان لدى الإناث تختلف عن الأسباب لدى الذكور، حيث تعد ظاهرة انتشار المخدرات بين النساء من الظواهر الأكثر تعقيداً وخطورة على المجتمع، فالأسباب متعددة بدءاً من عوامل شخصية ونفسية واجتماعية أسرية، وعن الطرق المتبعة للحفاظ على سرية المريضة خلال فترة علاجها قال إنها تتم عن طريق التعامل مع المريضة برقم الملف دون ذكر الاسم طول مدة بقائها أو مراجعتها للمجمع، كما لا يتم إخطار جهة عملها إذا كانت تعمل إلا بعد الحصول على موافقة خطية من المريضة نفسها، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضعف الإقبال، وأن الدخول للمجمع اختياري.
وأوضحت رئيسة قسم التوعية والتثقيف الصحي بمجمع الأمل الأخصائية النفسية ابتسام الدوسري، أنه تم إطلاق حملة «هلا بالأمل» بهدف إيجاد علاقة تكاملية بين المؤسسات الحكومية ومراكز التطوع النسائية والأفراد، وتسليط الضوء على أحدث البرامج والوسائل الوقائية والعلاجية في مجال الوقاية من الإدمان، وتوعية المرأة بأضرار المخدرات وكيفية حماية الأبناء من تعاطي المخدرات بالإضافة إلى تدريب المتطوعات وإكسابهن المهارات الأساسية لعملية الوقاية وذلك ضمن برنامج علمي تقدمه مجموعة من المتخصصات في مجال علاج الإدمان والصحة النفسية، وذلك من خلال تدريب المثقفات الصحيات في جميع مراكز المنطقة، وبينت الدوسري أنه في هذه المرحلة تم نشر ستة ملايين رسالة داخل المملكة وفي المرحلة الثانية تم نشر خمسة وعشرين مليون رسالة داخل وخارج المملكة.