الفاشل يرفع إيدو !!
لا يزل الكثير من الُطلاب الكُسالى الذين زاملوني في المرحلتين الابتدائية و الثانوية عالقين في ذاكرتي و يحلّون بها و يرحلون بين الفينةِ و الأخرى ، و لا زلتُ أتذكّر كيف يفتحون صدورهم لهبوب عبارات التوبيخ و الازدراء و أحياناً التنكيل التي يتلقونها مثل السموم الحارقة من بعض المُدرّسين على مرأى و مسمع أكثر من خمسة و عشرين طالباً.
و لا زلتُ أتذكر زفّهم إلى قوائم الفشل و التعاسة بمباركة هؤلاء الُمعلمين ، و لا زلت أتذكّر أيضاً كيف كانت تَحمَرُّ أكفهم جرّاء الضرب الذي كانوا يتلقونه في البرد القارس لعدم حلِّ الواجب ، أو وضع قلمٍ أو أكثر بين أصابع اليد و الضغط عليها بقوةٍ حتى تجحظ عيونهم ألماً.
و كيف كانت تتسارع نبضاتهم و تتفصّد أجبنتهم عرقاً على إثر مشيهم جلوساً في بهو المدرسة لتأخرهم الصباحي ، و أيضاً لن أنسى ما حييت ذلك الطالب الذي استدعاه المُدرّس من آخر الصف كي يوقفه أمام جميع طلبة الفصل و يقوم بعصر علبة العصير الكرتونية و هي داخل جيبه – أي الطالب - كي يغرق ثوبه بكمية رائعة جداً من العصير و يصبح في موقفٍ لا يحسده عليه عدوّه فقط لأنه تحدّث مع زميله الذي يجلس إلى جانبه !!
ربما أكونُ أحدهم ، أو على رأسهم ، لكن ليس هذا المهم ، بل المهم أنَّ بعض هؤلاء الذين قبعوا خلف قضبان الفشل بتوقيع هؤلاء المعلمين أُصيبوا بصحوةٍ مفاجأةٍ ربما يكون هؤلاء المعلمين من أسبابها كي يثبتوا لأنفسهم و لكل من همَّشهم و أثبط عزائمهم أنهم قادرين على كسر الإطار الذي أُطِّروا فيه و الخروج منه و الدخول في ميادين النجاح ، خاضوا حرباً طاحنةً تجمع العمل و الدراسة حتى وصلوا لمكانةٍ علميةٍ و عمليةٍ عالية ، و قرَّر أحدهم زيارة مَدرَسته التي أخذ منها شهادةً بالفشل بتوقيع بعض المدرسين الذين التقى بهم في هذه الزيارة ، فلمّا سألوه عن وضعه التعليمي و الوظيفي حالياً متوقعين أنه لا زال يحوم في دائرة الفشل ، تفاجئوا أنه وصل لمكانةٍ علميةٍ و عمليةٍ أرفع منهم و هم مُدرّسيه الذين كانوا يُعيّرونه بكسله المستفحل و يراهنون على فشله الذريع.
قد تكون الصحوة فطرية أو تربوية منذ البداية ، و قد تحدث في منتصف الطريق ، و قد تحدث في النهاية ، و قد لا تحدث أبداً ، و يجب أن نُشيد بتميّز المتميّزين فطرياً و إبداعاتهم ، و لكن يجب أيضاً أن نعترف بأن الصعوبة تكمن في الانتقالية من مرحلة إلى مرحلة أخرى مغايرة تماماً ، كالانتقال من الفشل إلى النجاح.
هنا الإبداع و الإنجاز الحقيقي يا أصدقاء .
قد تكون هذه الضغوط وسيلة لتفجير ينابيع الإبداع و التحدي لدى الطلبة الكُسالى ، و قد تكون أيضاً بداية أزمةٍ نفسية تنطلق من الصف إلى مراحل و محطات الحياة الكثيرة .