أقول لك (( تشَهَّد )) ..!!
كنتُ مُتَّجهاً إلى مدينة الرياض بسيارتي برَّاً كما جَرَت العادة الأسبوعية ، لكن الفرق هذه المَرَّة أن ذهابي لم يكن يوم جمعة ، بل عصر يوم اثنين كوضعٍ استثنائيٍ لظرفٍ ما أَلَمَّ بي . كان الطريق هادئاً و كنتُ منسجماً في القيادة و لا يُعكّر صَفْوي شيئاً ، و قبل بلوغي منطقة خريص بمائة و عشرة كيلو مترات تقريباً ، و إذا بي ألمحُ شاحنةً كبيرةً قادمةً من مسافة لا بأس بها على المسار الآخر من الطريق ، و كان يبدو على هذه الشاحنة السرعة في سيرها ، و فجأة حدث المحذور ، فقد واجه سائق هذه الشاحنة المسرعة منعطفاً قوياً لم يستطع السيطرة عليه ، فإنحرفت به الشاحنة بشكلٍ إجباري و خرجت عن مسارها إلى الطريق الغير مُعَبَّد ، و ارتطمت بجبلٍ من الرمال و الحصى ، و انقلب الجزء الخلفي منها ، بينما ساعد ارتطام الجزء الأمامي بالجبل الرملي في تثبيته و منعه من الانقلاب .
على مدى ثمان سنوات من التنقّل المستمر بين الرياض و الأحساء شاهدت الكثير من الحوادث على قارعة الطريق ، كفانا الله و إياكم شرّها و حمانا من كل مكروه ، لكنني لا أُحبِّذ النزول كي لا أُشاهد ما يؤرق منامي و يقضّ مضجعي ، لكن هذه المرة لا أعلم ما الذي دعاني للوقوف و النزول لهذا الحادث ، ربما لأن الوقت كان عصراً ، و الأمر الآخر لشعوري أن الحادث لا يحمل إصاباتٍ بليغة ، فنزلتُ و قطعتُ الشارع على ساقيّ ، و الكثير من السيارات توقَّفَت و نزل أصحابها كي يباشروا هذا الحادث ، أَنزَلوا السائق من الشاحنة و الذي كان بخير و لله الحمد لولا ارتطام رأسه بالزجاجة الأمامية ، و الذي تسبب له بجرحٍ في رأسه و جبهته و إغماءٍ مؤقتٍ سرعان ما أفاق منه ، فبعد بضع دقائق من حدوث الحادث ، استعاد السائق وعيه و الناس ملتفة من حوله و أحدهم جاثم على صدره و عندما شعر أنه استفاق قال له : (( تشَهَّد يا الأخو ، قل : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله )) ، و الرجل المصاب يحاول النهوض و كأنه يريد توجيه رسالة لهذا الشخص يقول فيها : أنا بخير و ما فيّ لن يجلب لي الموت ولله الحمد ، و ذاك الرجل يمانعه من النهوض و يقول له : (( أقول لك تشَهَّد ، قل : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله )).
الموقف الآخر الذي أريد سرده ، هو أنَّ لدي صديقٌ من الجالية الهندية و هو مسيحي الديانة و لا يتحدث العربية ، يروي لي هذا الموقف الذي حدث له قائلاً : كنتُ أقف بسيارتي عند أحد المحلات منتظراً فتح أبوابه بعد الصلاة ، و إذا بي أُفاجئ برجال هيئة الأمر بالمعروف يطرقون عليَّ زجاج السيارة طالبين مني النزول ، فنزلت تلبيةً لطلبهم فسألوني : لِمَ لَمْ أذهب للمسجد لأداء الصلاة ؟ فأبلغتهم بأنني لست مسلماً ، و لاحظت أنهم لم يفهموا كلامي ، فحاولت مراراً أن أشرح لهم بأكثر من طريقة دون جدوى ، فأركبوني سيارتهم بشكلٍ قسري و لا أعلم إلى أين يأخذونني ، و في نهاية المطاف توقفوا بي عند مسجدٍ كي ينزلوني للصلاة ، و لحُسن الطالع أن أثناء محاولتهم إدخالي للمسجد لمحت رجلاً عربياً كان سيدخل للمسجد أيضاً فأبلغته أنني غير مسلم فأبلغهم بذلك ، و ما أن صُعقوا بهذه الحقيقة إلا و أخذوا في تبادل النظرات فيما بينهم و تلتها تبادل الكلمات التي شعرتُ أنها تُهم يوقعها كل فردٍ منهم على الآخر كي يخلي مسؤوليته و يحاول تجميل صورته .
طبعاً هناك أكثر من قاسمٍ مشتركٍ يجمع بين الحادثتين ، أبرزها : الاستعجال و سوء التحليل و الفهم الخاطئ للثواب ، ففي الحادثة الأولى يريد أحدهم اقتناص الثواب العظيم لتلقين الشهادة من الرجل المُصاب في الحادث ظناً منه أنه يستعد لقضاء نحبه ، و دون أن يمنح نفسه فرصة التأمل الظاهري في حالته قبل دخول سباق (( جَني الثواب )) كي يكتشف أنه بخير ، أما الحادثة الثانية فبعض رجال الهيئة يريدون أيضاً أن يجنوا الثواب بالزجّ بالناس إلى المساجد بالإكراه دون التأكد حتى من دياناتهم !!
للأسف أن هناك الكثير من المجتهدين في مجتمعنا سواءً بعلمٍ أو بغير علمٍ ، و لهم حق الاجتهاد و التفسير و التأويل و الإفتاء أحياناً بما يرونه صواباً ، و لهم الحق أيضاً في الإقدام على أقوالٍ و أفعالٍ بغض النظر عن صحتها و خطأها و نفعها و ضررها ، و لا يرجعون لأحدٍ سوى أنفسهم ، و هذا ما يُعطي صوراً سلبية عن الدين الإسلامي و للأسف ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .