من الذرة للمجرة..!
في مقالي السابق، تحدثت عن التجربة الرائعة لتفقيس الصيصان في المنزل. ربما استغرب البعض ورأى أن الموضوع ليس بتلك الأهمية، التي تجعل كاتبة تصرف بعضاً من وقتها وجهدها للكتابة عنه، لكن دعني عزيزي القارئ أضعك مكاني لترى ما أرى من زاويتي.
لقد قضى التمدن والزحف العمراني على أغلب أشكال الطبيعة والكائنات الحية من حولنا، ولم نعد نرى إلا القليل لدرجة أن أصبح أطفالنا يعتقدون أن البيض والحليب يأتيان من السوبرماركت وليس من الدجاج والبقر. واللحم من ماكدونالدز وبرجر كنج، والصيصان والقطط من متجر الحيوانات الأليفة.
لا أنفك أتذكر مشهداً رأيته في فيلم «والي» Walli - E، أحد أفلام ديزني، عندما صعد الروبوت «والي» لسفينة فضائية متطورة تكنولوجيا فوجد البشر يجلسون على كراسي طائرة وقد ازدادت أوزانهم يطلبون الأكل والشرب فيأتيهم يطير وكل ما يقومون به هو التحديق في شاشة أمام كل واحد منهم يرون العالم من خلالها وقد توقفوا عن الحركة أو التواصل مع بعضهم البعض.
والمقاربة في الموضوع، أننا أصبحنا لا نتنقل إلا بالمركبات حتى لو كان المكان قريباً. نطلب طعامنا من المطاعم ويصلنا للمنزل في لمح البصر. توقفنا عن التواصل الحقيقي وأصبحنا لا نتواصل إلا عن طريق الأجهزة ومواقع التواصل الاجتماعية. أصبحت حياتنا اصطناعية. لم يعد أطفالنا يلعبون الكرة، أو الغميضة أو نط الحبل أو غيرها من الألعاب الحركية، بل تراهم وقد تشبث كل بهاتفه الجوال أو لوحه المحمول يقضون يومهم كاملاً متسمرين أمام أجهزتهم.
على الرغم من عرض الفيلم سنة 2008 إلا أنه كان تنبؤا للمستقبل، أي لوقتنا الحالي الذي نعيشه الآن في سنه 2022 ولنتمنى ألا يتحقق من ذلك الفيلم ما هو أكثر من ذلك المشهد.
لقد أخذت معدلات السمنة والإصابة بمرض السكري تزداد حتى عند الأطفال بشكل غريب ويدعو للقلق. كل ذلك بسبب هجرنا للحياة الطبيعية السليمة وبقائنا لفترات طويلة بين جدران المنزل وأمام الأجهزة والشاشات بمختلف أنواعها.
عند بداية دخول التلفاز للمنازل، تنبأ الكثيرون بخطر وجوده، خصوصاً على الأطفال الذي يبقون أمامه بالساعات لمشاهدة الرسوم الكرتونية. لكن لم يتخيل أحد أن ذلك الخطر الذي كان مستقراً في المنزل، تقضي الأسر أمامه ساعات وجودهم في المنزل، سيصبح سهل التنقل وسيرافق كل فرد من الأسرة في كل مكان حتى في دورات المياه.
لقد أصبحنا في زمن يعرف فيه أطفالنا كل شيء ولا يعرفون شيئاً في نفس الوقت! يكررون المعلومات كالببغاوات لكن لم يروا الأشياء ويجربوها بأنفسهم. لقد سهلت التكنولوجيا البحث عن المعلومات وإيصالها لكن بشكل نظري أما الجزء العملي وهو الأهم فهو مفقود. إضافة لما تتركه التجربة الشخصية من أثر جميل في نفوسهم. والأهم من ذلك هو غرس حب الله فيهم بمعرفته حق معرفة وعبادته حق عبادة بالتأمل جيداً في مخلوقاته من الذرة... إلى المجرة!