الشَّيخ عبد الحميد آل مرهون - عتيج الصوف بين الخطباء!
لا أذكر بالتحديد كم عاشوراء استمعتُ فيها الشَّيخ الأستاذ الخطيب، عبد الحميد آل مرهون، غير أنني التقيتُ في هذه السَّنة صديقًا، كنا نحضر سويًّا مجلسه - في حسينيَّة آل فردن - عندما كنَّا صغيرين، للتوّ خطّ شاربانا، والآن كبرنا ولدينا أحفاد. أطال اللهُ في عمرِ الشَّيخ، وأمدّ في عمره مئةَ سنةٍ أخرى، فهو حقًّا مدرسة في الخطابة، وكم تمنيت أن فعلًا كان له مدرسة أو كتابًا يدرِّس من خلاله الخطابة لمن ينوي أن يكون خطيبًا، ولعله فعل، وأنا جاهلٌ بذلك!
في هذه السَّنة، انحنى ظهرُ الشَّيخ قليلًا، لكن لا يغرنَّك هذا الانحناء، فهو حالما يتسنَّم المنبر، تستوي تلك القامة في بشاشة وجه، وكأنه في العشرينَ من عمره، سلسًا عذبا، تارةً في لهجته القطيفيَّة اللِّينة السَّهلة، وتارةً في عربيته الفصحى التي لا تشوبها شائبة. حصَّة خطابيَّة في أكثر من نصفِ ساعة بقليل، ينتقل فيها الشَّيخ بين تفسير آية، وحادثةٍ تاريخية وأبيات شعر من الأدبِ الرفيع الطراز، ثم لا يعوزه المخرج السلس نحو مناسبةِ اليوم العاشورائي. أجزم أنه من السهل تحدي من يحضر حصَّة الشَّيخ الخطابيَّة في شهر عاشوراء، بأن لا يبكي ولا يستفيد! موضوعه مؤنسٌ لا يخلو من التأمل، وصوته لا يخلو من الرقّة والعذوبة، أما طريقته فعليك أن تحضر مجلسه وتسمعه!
فينا - ولله الحمد - اليوم خطباء فطاحل، تُثنى لهم الوسائد، لكن يبقى هذا الشَّيخ خطيبًا لكلِّ أطياف وأنماط المجتمع، شيبًا وشبانًّا، رجالًا ونساء. وليسامحني القارئ الكريم أن شبهته بالصوفِ القديم، وليس بشيءٍ آخر، لأنني وجدت فيه أنه الأسبق في العمر، والأفضل والأقوى والأمتَن، والأكثر خبرة، مثله مثل الصوف الذي يدفئ ويثبت جدارته على مرّ السنين.
وفي هذا أيضًا دعوة لكل الخطباء الناجحين، أن ينقلوا خبراتهم في فنّ الخطابة لمن رغب في هذه المهنة، فهم بذلك يعملون على إنتاج أجيال، إن لم تكن أفضل منهم، فلن تكون إلا مثلهم، ولا ضيرَ في ذلك!