التظاهر في خدمة الإمام الحسين عبادة وليس رياء
ما يميز إحياء شعائر الإمام الحسين عن بقية الشعائر الدينية الأخرى وبمختلف طرق أدائها كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الشعائر العبادية بشقيها الواجبة والمباحة، أن هذه العبادات لا تصح ولا تقبل عند الله ولا تعطي مفعولها العبادي والديني والروحي والإنساني والاجتماعي إلا في حال كون أدائها في الدائرة الذاتية وعدم البوح والتفاخر بها أمام الناس، بل يضعها بينه وبين الله فقط، وعند إسقاط هذا الشرط منها لا ينتفع من تلك العبادات شيئًا غير التعب الجسدي والعناء النفسي وتصبح أعماله هباءً منثورًا.
والغاية من أداء هذه الشعائر الدينية العبادية بهذه الطريقة الذاتية، هي لأجل تذكير العبد بألوهية ووحدانية خالقه وأن كل شيء ينصرف إليه وحده لا شريك له وكون هذه العبادة مباشرة مع الله، وأي شعور يخدش بهذه المعادلة العبادية القلبية فإنه يفسد تلك العبادات مهما كان حجمها ومكانتها، والسمة الأخرى هي لأجل التقرب إلى الله والشعور بحالة من الأمان والاطمئنان ”أَلَا بِذْكْرِ للهِ تَطْمَئِّنُ القُلُوبُ“، والسمة الثالثة عملية تربوية أخلاقية ذاتية، أي تربية الإنسان تربية إنسانية مميزة وعالية، ووضعه في المكانة الأخلاقية الاعتبارية بما تليق به؛ كونه أفضل عباد الله على الخليقة. السمة الرابعة بُعد الإنسان عن حالة التكبر والغرور الذاتي المدمر والخطير الذي بدوره يفتك بالإنسان ومن يحيط به، فخشوعه لربه تجعل منه إنسانًا عارفًا لنفسه كاشفًا له سراب الشيطان؛ لأنه محاط بذكر الله.
وفي حالة أداء هذه الشعائر الدينية المذكورة وما يشابها بطريقة التظاهر والتفاخر والعجب في ذاته وأمام الناس، سوف تصنع منه إنسانًا فرعونيًّا مضرًّا لنفسه وإلى مجتمعه، وتجعل منه إنسانًا متكبرًا قد يتجاوز حدود التكبر والغرور الشخصي والاجتماعي إلى أن يصل به الأمر إلى ”أنا ربكم الأعلى“، كما فعلها قبله فرعون مصر، والتاريخ شاهد على تلك النماذج الفرعونية البشعة فضلًا عن رد تلك العبادات في وجه صاحبها.
أما إحياء الشعائر العبادية الدينية الحسينية مع عقد النية الخالصة لله «سبحانه تعالى»، فإن طريقة أدائها مختلف تمامًا عن أداء الشعائر المذكورة سالفًا، بحيث ينبغي أداؤها ظاهرًا وأمام الناس، لأن الشعائر الحسينية عبارة عن عملية روحية كيميائية، إذ إنها لا تتفاعل كيميائيًّا على كل صعيد إنساني وأخلاقي وديني واجتماعي، إلا عبر التظاهر والتفاخر والبوح بها وعلى أكبر مساحة بشرية أو من على أكبر منصة إعلامية تبشيرية.
لماذا هذا الاختلاف والفارق في إحياء هذه العبادات الدينية الإلهية؟ الجواب على ذلك لأن شعائر الإمام الحسين عبارة عن دعوات إصلاحية دينية واجتماعية جماهيرية، ولابد أن تكون علانية ومفتوحة وغير مقيدة بزمان أو مكان معين، بل هي دعوة لكل زمان ومكان حتى قيام الساعة.
ومفردات هذه الشعائر الدينية العبادية الحسينية الاجتماعية الإصلاحية هي دعوات تذكيرية لإصلاح الشأن العام والفرد على درجة سواء، إذ يشترط أداؤها أن يكون بين أعين الناس وبين أيدي الناس، ويزداد تأثيرها كلما دعوت الآخر للقيام والمشاركة والعمل بها والإعلان بالتظاهر بتلك الطقوس الشعائرية الإلهية أمام الملأ، كدعوة لعقد مجالس أبي عبدالله الحسين بما فيها من وعظ وإرشاد وإبكاء، أو الحضور في مواكب العزاء بما فيها من تقديم المواساة لرسول الله والعترة الطاهرة، أو لبس السواد وهو تعبير عن حالة التضامن مع الفاجعة الذي حلت بالحسين والعترة الطاهرة ويبرز حالة من الحداد الاجتماعي، وكذلك المساهمة المعنوية والمادية في تأسيس أية شعيرة باسم الإمام الحسين ، فهي عبارة عن دعوة إصلاح بشكل أو بآخر.
إذن شعائر الإمام الحسين مرتبطة مباشرة مع الناس، لهذا ينبغي أداؤها وإحياؤها مع الناس، وكما جرت السنة الكونية بأن الجهات الإصلاحية أو المصلحين في الغالب ما يكونون الفئة القليلة أو النخبة فهي تحتاج إلى نصرة ودعم، وأهم داعم لنصر مشروع الإصلاح هو الإعلان والإعلام عن قيمه ومبادئه الإصلاحية والمظاهرة والتفاخر بالعمل بها لشد أنظار الرأي العام نحوها أو نحو هذه الحركة الإصلاحية أو الشعائر المبشرة بالقيام بالعمل الإصلاحي، وذلك لتنميتها واتساع رقعتها الإصلاحية.
ومن تأثيرات وحسنات إحياء الشعائر الحسينية الدينية على الفرد والمجتمع، أنها جرس تنبيه لدى البعض الغافل عن مسؤولياته تجاه نفسه ودينه ومجتمعه، وبما تحدثه هذه التأثيرات فيما بعد من صدمة من التساؤلات الفكرية والنفسية، وبعدها تتطور وتصبح حالة توعوية في الجانبين العقلي والروحي، فتنمو هذه التوعية شيئًا فشيئًا إلى حدث إيجابي على المستوى الفرد أو المجتمع.
ولما نادى الإمام الحسين بتلك الصرخة الإصلاحية المدوية: ”ألا من ناصر ينصرنا“ لأجل إيجاد إيقاعات توعوية استنهاضية في قلب وعقل صاحب كل ذي فطرة سليمة وسوية لإصلاح نفسه ودينه ومجتمعه، لا لزمن معين فحسب، بل هي لكل العصور والأزمنة.
باعتبار الإصلاح الاجتماعي والديني لا يتوقف عند نقضة معينة من الزمان أو المكان، فهو ليس عملية توقيتية أو ظرفية مكانية معينة، إذ إن الحياة مستمرة ومتغيرة وهي في صراع دائم بين الخير والشر وبين العدل والظلم، وفي هذه الحركة الاستمرارية والمتغيرة الحاصلة في الكون سوف توقع هذه التغيرات الإنسان في أخطاء فادحة، وناتج هذه الأخطاء هو غياب الوعي والمسؤولية والحكيم والتظليل ضد الديني والفكر والمجتمع، وهنا يأتي دور المصلح لأنه هو المحور في هذه المعادلة، وهو من يقود هذا التوجه التغيري والإصلاحي.
وبما أن الإنسان المتسلط على رقاب الناس مخلوق غير مكتمل في الرشد العقلي والبدني، وهو محدود الإمكانيات في كل شيء، فإذن يلزم من يعينه على التصدي لقيادة هذا المجتمع، وينبغي أن يكون التنوع البشري والفكري حاضرًا لديه في إدارة هذه الحركة التغيرية الحياتية.
ومن منطلق حكمة الله «سبحانه وتعالى» ورحمته على عباده، أنه عندما خلقهم لم يتركهم يسعون في الأرض فسادًا أو تائهين في أرضه الواسعة، دون إمام يرشدهم ويقودهم إلى طريق الصواب، بل قبل أن يخلقهم خلق من يرشدهم إلى طريق الخير، من هبوط سيدنا آدم في أرض حتى توالى إرسال وبعث الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة المعصومين والمنزهين عن الأخطاء والزلل، والله خلق كل شيء بقدر.
وهنا أصبح دور هؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة الأطهار المنتخبين من قبله «سبحانه» هداية الناس إلى طريق الله وطريق النور والسعادة في الدارين، وتجنبهم عن الوقوع في طريق الشيطان وهو طريق الظلال والخسارة في الدارين.
فعلى كل خادم للإمام الحسين ، وعلى صعيد كل شعيرة مرتبطة بالإمام الحسين أن يتفاخر ويتظاهر ويتباهى بها أمام الناس؛ لأنها أولًا شعائر الله وهي من تقوى القلوب، وثانيًا لأن فيها استجابة لنصرة دعوة الإمام الحسين الإلهية والإنسانية، ولأنها دعوة تعني بإصلاح شأن الإنسان ودينه وأرضه وكرامته، فلتكن ثقافتنا حسينية وفكرنا حسينيًّا وعملنا حسينيًّا، وكل شعار نحمل لابد أن يكون حسيني الوجود.
وكما يقول أحد العلماء الربانيين: ”لا شيء يشبه كربلاء. لا رجال كالحسين، ولا نساء مثل زينب في النساء، لا شيء يشبه كربلاء، لا صحب قد قُتلوا كمثل صحابهِ، لا خيمة حُرقت كمثل خيامه، لا نسوة سُبيت كمثل نسائه، لا رحلة نُهبت كمثل رحاله، لا من دم سكن الجنان الخلد مثل دمائهِ، لا كالحسين سوى الحسين ، وخاب كل الأدعياء. لا شيء يشبه كربلاء“.