لماذا لا نُشاهد إلا المصباح المكسور؟
يتفنن الكتاب والمثقفون والإعلاميون والناشطون وكل من يتصدى للشأن العام في رصد العثرات وكشف الزلات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ولكنهم يَغفلون عادة عن إبراز ملامح الجمال والإضاءة على التفاصيل الإيجابية.
وزارة تعمل ليل نهار من أجل خدمة المواطن والارتقاء بمستوى الخدمات، لا تحظى بكلمة شكر أو عرفان، ولكن بمجرد أن يحدث خطأ ما أو تقصير من أحد موظفيها، تنهال عليها التوبيخات والتسقيطات، بل وتُنسف كل جهودها الكبيرة وخدماتها الطويلة السابقة.
مدرب حقق مع ناديه العديد من البطولات والإنجازات وجعل فريقه يتصدر الصفحات والمنصات الأولى في وسائل الإعلام، ولكن ما إن يخسر الفريق في بضع مباريات، حتى تقوم الأقلام والأصوات بمهاجمته وقذفه بأقسى الشتائم، ناسين كل ما قدمه من ألقاب وإنجازات.
والأمثلة كثيرة جداً على تلك الحالة التذمرية والنظرة السوداوية التي يحملها الكثير تجاه الأفكار والأشخاص. نعم، ممارسة النقد والاعتراض، حالة متقدمة جداً من الوعي والفهم لدى المجتمعات والشعوب، ولكنها حينما تكون انتقائية ومترصدة، تُصبح أشبه بقيود وأغلال، تُكبل وتُعيق التطور والازدهار في الأوطان والأمم.
إن التركيز والاهتمام فقط برصد وكشف الأخطاء والسلبيات - رغم أهمية ذلك طبعاً - يُمثّل نظرة قاصرة وظالمة لكامل المشهد الذي لا يخلو من ملامح الجمال والإيجابية، والصواب هو عرض ”الصورة الكاملة“ بكل ما تحمل من ألوان باهتة «السلبيات» وألوان ثابتة «الإيجابيات»، فتلك هي الموضوعية والشفافية التي تستحق أن تبرزها وتصورها الأقلام والأصوات.
والأسباب التي أدت لتمظهر هذه الحالة الخطيرة في فكر ومزاج المجتمع بأفراده وشرائحه ونخبه، كثيرة جداً، ولكن أهمها على الإطلاق هو تأثير الجماهير وسطوة المتلقي. فالقراء والمشاهدون والمتابعون هم من يُحرّض ويُسقط الكتاب والإعلاميين في نفق السوداوية والسلبية وذلك بتشجيعهم ودفعهم لعرض التفاصيل السلبية فقط، وعدم اهتمامهم ورغبتهم بقراءة أو مشاهدة التفاصيل الإيجابية.
قبل مدة، كنت في جولة ليلية في العاصمة الرياض برفقة أحد الأصدقاء، وعبرنا نفقاً جميلاً ومضيئاً، ولكن صديقي لم يلتفت إلا لأحد المصابيح المكسورة في نهاية النفق.