فوبيا التغيير والتجديد
يبدو أن الخوف من التغيير والتجديد، طبيعة بشرية متجذرة ومترسخة منذ القدم، بل تكاد تكون ”فوبيا إنسانية“ لصد ومنع كل رغبات ونوازع التغيير والتجديد والتحديث والتطور في مسيرة البشر.
أسئلة كثيرة وكبيرة، تستحق أن تكون مقدمة مثيرة لهذه الظاهرة الخطيرة - الخوف من التغيير - ولكنني انتخبت بعضها على سبيل التمثيل والتعليل:
لماذا يُسيطر علينا الخوف والهلع حينما نُقدم على التغيير والتجديد في حياتنا؟ ولماذا يميل البشر عادة لتقبل وتبني الفكر واللون والنمط الواحد؟ ولماذا تقل حدة الرغبة في صنع المغامرة والمبادرة والنقلة؟ ومن المسؤول عن تشكّل ثقافة ”خط الإنتاج المتشابه“؟ وما آثار ونتائج زيادة منسوب الجمود والثبات في واقع وحركة المجتمع؟
وبشيء من الرصد السريع لبعض التفاصيل الصغيرة والكبيرة في حياتنا، نُلاحظ سيطرة ثقافة التكرار والتشابه في أغلب ملامحنا ومظاهرنا، الفردية والجمعية، بل حتى على النخب والطبقات التي تحمل هامشاً لا بأس به من التمرد والتحرر. فالخوف من التغيير والتجديد، كما يبدو طال كل شيء تقريباً: الأكل واللبس والشراء والتبضع والسفر والهوايات وغيرها، ولكن الأكثر خطورة هو سيطرة فوبيا التغيير على الفكر والمزاج والسلوك.
ولعل أهم أسباب تفشي هذه الفوبيا الخطيرة: الخوف من الفشل، والشعور بفقدان وضياع المكتسبات، وشيوع ثقافة الاكتفاء والرضا بما تحقق، وغياب مصادر ومظاهر الجرأة والطموح والتطلع، كما أن ضغط المجتمع الذي يدفع بأفراده ومكوناته للتشبّث بما هو موجود ومتاح يُعدّ أحد أهم أسباب تنامي فوبيا التغيير.
أما الآثار والنتائج المترتبة على سيطرة التشابه والتكرار في حياتنا، فهي كثيرة وكبيرة، أهمها: عدم الوصول إلى مستويات ومداءات جيدة من التطور والازدهار على الصعيدين الفردي والجمعي، وسقوط المجتمع في فخاخ الجمود والتخشب، والدوران العقيم حول دوائر مقفلة ومغلقة لا تصلها أشعة التغيير والتجديد.
ويبقى السؤال الأهم: كيف نتغير؟ لا شك أن الأمر يتطلب الكثير من الإجراءات والقرارات والإمكانات للوصول إلى ذلك ”الحلم المنشود“ وهو إحداث التغيير والتجديد، فالتغيير بحاجة ماسة لقرار ورغبة وإرادة وصبر وجرأة ووعي، ليتحول إلى ثقافة مجتمع وأسلوب حياة.
والتغيير يجب أن لا يكون لمجرد التغيير، ولكنه بحاجة لأن يكون رؤية متقدمة تحملها المجتمعات والشعوب والأمم.