لا «موناليزا» ولا «ليلة النجوم».. عامل نظافة بريشة سعودية
لا تعني لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي العشاء الأخير ولا الملايين التي حصدتها معجزته الفنية الموناليزا ولا لوحة ليلة النجوم لفان جوخ شيئاً بالنسبة للجمهور الرئيس الذي تجمهر أمام لوحة الفنانة زينب الماحوزي التي لم يحبسها إطار ولم تقيدها إضاءة المعارض، فالجدار كان كافياً ليحول صورة واحدة لمعرض كامل أمام عيون عمال النظافة الذين لم يتوقفوا عن التصفيق وهم يشاهدون صورة تمثل كفاحهم في كورنيش المجيدية.
اللحظات الأولى حين أزالت الفنانة الماحوزي الشريط اللاصق من على رسمتها الجدارية كانت بمثابة حبس الأنفاس، ماذا وراء هذا الجهد والتعب هل فتاة جميلة أم قصر شاهق؟ إلا أن ازدحام التساؤلات بددتها صورة عامل النظافة المنحني وهو يمسك بصندوق ورقي يجمع الأوساخ، لا تحتاج هذه الصورة لناقد فنقادها يرتدون البرتقالي وقد قيموها بأنها تحفة فنية قلما يبدعها فنان. ارتسمت المفاجأة والانبهار على وجوه عمال النظافة الذين عبروا بالتصفيق فقط عن إعجابهم بهذا العمل الفني الإنساني، ولم تكن عبارات الثناء من المواطنين المتجمهرين بذات قيمة أمام روعة الانبهار الذي تزاحم في وجوه عمال النظافة السمراء التي غاب التعب والإنهاك وراء ابتسامة شكر لجهد هذه الفنانة التي أرادت أن تقول شكراً بلغتها الفنية.
لم يزر عمال النظافة أي معرض تشكيلي من قبل، بيد أنهم حضروا تفاصيل رسم لوحة الشكر لهم، وشاركوا في افتتاح معرضهم المكون من لوحة واحدة فقط، صورة جدارية تظهر عامل النظافة البسيط جداً وهو ينظر للأرض ديدنه الدائم، باحثاً عن مخلفات غيره، ليمنح الأرض النظافة والسعادة، ولربما هذا ما أرادته الفنانة الماحوزي من إيصاله.
تعد الفنانة الماحوزي واحدة من أبرز الفنانات التشكيليات في المنطقة الشرقية، وتخصصت وبشكل لافت في رسم البورتريه والجداريات، وتميزت بجرأتها العالية في استخدام الألوان واهتمامها الدائم بأدق التفاصيل، ولوحتها الأخيرة عامل النظافة كانت خطوة جريئة من فنانة أبدعت في رسم وجوه الشعراء مثل نزار قباني ومحمود درويش وغيرهما، إلى جانب وجوه عمالقة الفن والموسيقى والثقافة العالميين. جمهور الفنانة الماحوزي الأخير كان من الطبقة الكادحة، وجاءت اللوحة بسيطة، لكنها عميقة، تعمدت الفنانة أن تصل للمتلقي البسيط من دون الحاجة لإعمال العقل والنظر، لكنها عميقة بهدفها ووصلت بها لحدود الإشادة القصوى حين كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعي التي ازدحمت بصور وفيديوهات لهذا العمل الغريب القريب.
وتميل بحسب تصريحات سابقة لها إلى فن الشوارع، ولوحتها الأخيرة التي استخدمت في رسمها الطريقة الغرافيتية، وهي نوع من أنواع الطباعة من طريق تفريغ شرائح ورقية بالمشرط، ثم البخ الذي تميزت به في العام 2013 من خلال معرضها الشخصي الأول فواصل، وتقول: «فنون الشوارع يستطيع الجميع مصافحتها والتفاعل معها بطبقات مختلفة في المجتمع، والتقنية التي أمارسها هي بالأصل فن شوارع». لم تكن هذه المرة الأولى الذي يكرم فيها العالم عامل النظافة، وإن كانت الماحوزي أرادت أن تكرم بطريقتها، إلا أن في الصين يتجمهر السياح حول تمثال ذهبي ضخم، يظهرهم منهمكين في العمل، وتقديراً لجهودهم في الحفاظ على نظافة الشوارع، واتجهت دول لهذا التكريم، ففي تكريت والناصرية في العراق افتتح نصب تكريمي لعمال النظافة، وآخر في اليابان، ونصب في إسبانيا، وفي لندن أيضاً.