غدا الملتقى
إنها عادة تلك المرأة العجوز أن تجوب المشفى مذ ذهب ابنها الوحيد للحرب قسراً ، لتستقرئ عن ابنها بين الجرحى والقتلى علّها تجده ، تقلّب هذا و ذاك ، أحدهم محترق وجهه و الآخر مقطّع اليد و الرجلين ، أما القتلى فحدّث و لا حرج ، فلا وجوه للتعرف لها بل جثث محترقة ، تزكم أنوف من يمر بجانبها او تُكرِهُ العين بما تراه .
بكت أم سليم و هي تنادي ابنها في غصة الثكلى :
أعن أمك تٌرَحَّل ؟! ، قل لي اعني ترحل ؟! ، اظهر و انظر إلي ، تقوّس ظهري و ابيضّ شعري فلا صبغة تقضي عليه و لا تظفر ، تعال لأستنشق طِيبكَ لمرة أخيرة ، إئتني علني أشبع ناظري بوجهك السمح يا ولدي و قُبلة الحياة لي .
أغمضت عينيها و الدموع تموج عطشى على عتبات جفونها ، تململت دمعتها وهي تشق مسيرها للسقوط في حيرة ، ألذل هي أم لفخر؟ ، فعجوزنا لم تحاول التفكير بالإجابة مطلقا ، فمقص الرقيب يجري يحذر كل الرقاب مما يدور في فكرِ كل مفكر.
تجول هائمة بالمشفى علّها تجد ابنها و لكن لا جدوى فلا نظير لابنها .
تشق طريقها للخروج و هي تقلب عينيها بين جريح و قتيل و حنايا قلبها يردد: فلتأتني بأي حال كنت يا سمائِيَ البهية ، يا بسمتيَ التي أضيء بها قسوة الظلام ، وقفتْ و استدارت في نظرةٍ عابرةٍ و تحدثت : غداً الملتقى يا ملجأ الأموات .