في بيتنا عصابة
كما هو معلوم بأن من أهم الأدوار والمسؤوليات المناطة بالوالدين هو " تعزيز العلاقات التبادلية بين أفراد الأسرة ، وتجسيد أواصر المحبة والتعاون فيما بينهم " ويأتي هذا الدور في إطار " التنشئة الإجتماعية " التي يتلقاها الأبناء من الجماعات الأولية في بداية حياتهم والتي تأتي الأسرة في طليعتها . والتنشئة يمكن تعريفها في أبسط صورها بأنها " تحويل الإهتمامات الخاصة للأبناء إلى إهتمامات عامة " وهي تعتبر حجر الأساس في قدرة الفرد المستقبلية على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع محيطه الإنساني سواء على الصعيد الأسري أو الإجتماعي ( خارج نطاق الأسرة ).
ولست أجد مبرراً لبعض الأمهات والآباء كيف أنهم يعصفون بأسرهم ، ويساهمون في تفكيك بنيتها ، وإثارة الفتن والصراعات بين أفرادها من اجل إحتلال مركز الصدارة في إدارة الأسرة ، والسيطرة على شئونها ، وتحويل الجو العام للعائلة إلى " كانتونات " متفرقة ، وبل وتقسيم المنزل إلى مربعات أمنية ، تنافس في صلابتها وتشرذمها المربعات الأمنية اللبنانية ، أو العراقية الحديثة . العياذ بالله .
ربما لا تصدق – يا عزيزي – ولكن هذا هو الواقع المر لحال بعض الأسر ، ترقُّب وترصُّد ، تنصُّت ومراقبة وتفتيش ، شكاوي كيدية ، وفرِّقْ تسُد ْ، وغيرها من الأساليب التي لا ينتج عنها سوى الضعف والهوان ، والتشرذم ونقص الإنجازات ، والتشفي من بعضهم البعض في كل مناسبة . ومحاولة تعزيز الإصطفافات بشتى الطرق والوسائل المتاحة ، وتوظيف ما يمكن توظيفه من أجل فرض السيطرة والتحكم ، وإظهار العجز الكلي عند الطرف الآخر، وإشهار إفلاسه الإجتماعي .
هذا الإسلوب الرديء في إدارة شئون الأسرة لهو بعيدٌ كل البعد عن الجوانب التربوية والأخلاقية بل والإنسانية ، بل ويتنافى مع أبسط حقوق الأبناء الذين يتطلعون إلى جو أُسري تسوده المحبة والألفة ، والتسامح والتعاون والتكاتف ، لا أن يحاول كل من الأب والأم - وبكل أسف - أن يجعلهم جزءاً من ترسانته القتالية ضد الطرف الآخر ، وتوظيفهم لتحقيق النصر المؤزر على من إختاره أن يكون " شريك حياته " وقد تعاهد معه على ذلك في السر والعلن .
هل يُعقل أن يتحول الأبناء إلى أعضاء في " مافيا والدية " أو يشكلون أفراداً في العصابة الخاصة بكل منهما . قد تستغربون ذلك ، ولكن هذا هو واقع بعض الأسر التي باتت تأكل أبناءها ، كما يحدث في أعقاب بعض الثورات . حماكم الله .