العزوف عن قراءة الصحف الورقية «2»
إذا كانت ثورة الاتصالات والمعلومات، وظهور شبكة الإنترنت، قد أدت إلى عزوف الكثير من القراء عن اقتناء أو مطالعة الصحف الورقية، فإن الأجيال الجديدة والناشئة اليوم لا تتعامل مع الورق، ولا تتعاطى معه من الأساس، إذ لم تتعود على الذهاب إلى المكتبات لتصفح وشراء الصحف والمجلات. فمع تغير أنماط الاهتمام، وعادات القراءة والمعرفة، وشيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومة، تغيّرتمعها ميول الأجيال الجديدة وأذواقها، فأصبحت الأجيال الناشئة تعتمد على شبكة الإنترنت في متابعاتها، وتتوجه صوب الصحافة الالكترونية، وتعتمد على البرامج الجديدة في الإعلام التفاعلي والالكتروني للحصول على المعلومة/الخبر، حيث أخذت تشكل مصدراً مهماً في الاطلاع والبحث عن المعلومات التي تهمهم، خصوصاً معتتعدد المصادر التي يلجأ إليها الشباب للاطلاع على الأخبار، فالغالبية منهم يملك حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: «الفيس بوك»و«التويتر»و«اليوتيوب»، وغيرها من حسابات ومواقع لا حصر لها.
من المؤكد أن عادات الأجيال الحديثة واهتماماتها تعرضت للتأثر والتغير بسبب نمط الحياة المعاصرة وإيقاعها السريع، وما صاحبها من تطور هائل ومذهل في تقنية وسائل الاتصال والتواصل، مما جعل، ليس فقط الأجيال الناشئة للعزوف عن قراء الصحف الورقية، بل حفز الأجيال الأسبق عليها على أن تصبح أكثر ميلاً للقراءة الإلكترونية، وذلك على حساب المنشورات الورقية والمطبوعات التقليدية. فمع انتشار عادة القراءة الإلكترونية، وتراجع وانحسار القراءة الورقية للصحافة المطبوعة، والتوجهالعام صوب الصحافة الالكترونية، أخذ الكثير من القراء الذين كانوا يواظبون على قراءة صحفهم المفضلة مع إطلالةكل صباح، بالتحول إلى استخدام شبكة الإنترنت لمتابعة الأخبار اليومية، ومعرفة أحدث المعلومات من مصادر متعددة.
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، والطفرة المذهلة في عالم الاتصالات، أصبحت الأخبار والمعلومات تنتقل بشكل أسرع كثيراً من إيقاع الصحف الورقية، مما ساهم في تراجع وانحسار قُرائها، بحيث أصبحنا يوماً بعد آخر نسمع عن توقف أو إغلاق الكثير من الصحف الورقية في العديد من بلدان العالم المختلفة، أو استبدالها بمواقع إخبارية، إذ أن المواقع الإخبارية بخدماتها وسهولة التواصل والتعامل معها أصبحت تحتل موقع الصدارة في المتابعة، وصارت مصدراً أساسياً للمعلومة، ونافذة أساسية للأخبار، ونقل الاحداث حال وقوعها أولاً بأول، مدعومة بالصور من مواقع حدوثها، ويتم متابعتها لحظة بلحظة، والتفاعل معها على مدار الساعة.
فالصحيفة الإلكترونية تهتم بالأخبار العاجلة والفورية، وعرض أخبارها بشكل سريع ومختصر، وهو الأمر الذي يعجز الإعلام التقليدي عن مجاراته. فالخبر في الصحف الإلكترونية، دائما ما يرفق بأحد الوسائط المتعددة، مثل مقاطع الفيديو، ومقاطع الصوت والصور، بالإضافة إلى التحديث المستمر لمجريات الخبر، والتي تُعَد من أهم خصائص الصحف الإلكترونية، وتعطيها أفضيلة على الصحف الورقية التي يكتمل الخبر فيها بمجرّد طباعته. كما يتاح للقراء التعليق على الخبر في الصحيفة الإلكترونية، وتمكنهم من زيادة فهمه من خلال الدخول على الروابط المرفقة، والاطلاع على الموضوعاتالمشابه التي نُشرت في أوقات سابقة.
من المؤكد أن قراء الصحف الذين اعتادوا على قراءتها، لن يتوقفوا عن متابعة قراءة الصحف اليومية كل صباح، سواء كان ذلك عبر نسخها الورقية الآيلة إلى التراجع، أو من خلال نسخها الإلكترونية التي باتت تحظى بمتابعات تتزايد يوماً بعد يوم. إلا أن السؤال الأساسي هو كيف يمكن للصحافة الورقيةمواجهة تحدي العزوف عنها؟ أم أنه أصبح من الصعب عليها المحافظة على مكانتها عند القراء، كما كان عليه الحال قبل عقد أو عقدين من الزمن، بسبب ما طرأ من تغيرات تكنلوجية سريعة؟ وهليؤدي تزايد قوة وفاعلية الصحافة الالكترونية، إلىانقراض الصحافة الورقية المطبوعة في المستقبل المنظور؟ وهل نحن فعلاً على أعتاب إعلان وفاتها؟