من سيهات “ليمون أخضر” و”بوصلة “ للمخرج السينمائي مجتبى سعيد
“ليمون أخضر” و”بوصلة “ كانا معرفيه نحو قلوب تعشق رائحة الأرض، وعقول تبحث عن دلائل صحة واقعها، فكانت لمساته بارزة في أول ظهور له على قناة MBC1 في برنامجها بعيون سعودية، متوجا من خلاله بجائزة أفضل مخرج سينمائي سعودي. الشاب مجتبى سعيد، الذي سافر قبل سنوات من دانة المملكة “سيهات” إلى ألمانيا لدراسة السينما، عرف مبكرا ما الحلم الذي يسعى وراءه، حتى كبر مجتبى وكبر معه حلمه الذي يعيشه اليوم من خلال تجاربه السينمائية التي وصل بها دول الخليج، في اتجاهه للعالمية.
فزت أخيرا بلقب أفضل مخرج سينمائي سعودي في برنامج المخرجين الشباب «بعيون سعودية».. ماذا تعني لك هذه التجربة؟
تعني لي أكثر من شيء، أولا التمكن من إنتاج فيلمين في عام واحد وفي بلدين وجوين مختلفين، والأمر الآخر أن البرنامج قدم على قناة جماهيرية هي mbc1 ما منحني فرصة أوسع لمعرفة رأي الناس فيما أقدم، وأخيرا جاء التتويج الذي لم أفكر أو أعمل لأجله ليكون دافعا إلى عمل ما يليق باحترام الناس وتقديرهم.
ليعرفنا «مجتبى» على نفسه؟
مجتبى يدرس في المعهد العالي للسينما بادنفوتينمبيرج وهو أحد المعاهد الحكومية في ألمانيا، ويعتبر من أهم ثلاثة معاهد فيها لأن قبول الطالب يكون عبر مراحل متعددة من الاختبار، إلى جانب لجان التحكيم المكونة من كبار صناع السينما في أوروبا.
كيف بدأ حلم مجتبى، وكيف ساقه قدره لتحقيقه؟
لا أزال في الحلم.. وما تحقق هو نذير خير، بعد جهد واجتهاد، بالنسبة للبداية كانت مع المسرح المدرسي في المراحل الابتدائية، حيث منحتني هذه التجربة في المراحل الأولى من عمري فرصة المشاركة، والاحتكاك بالتجارب المتوافرة في المنطقة الشرقية السعودية، وبحكم الشغف الذي كنا نحمله قررنا مع مجموعة من الأصدقاء في المراحل المتوسطة الدراسية تأسيس فرقة مسرحية تحت اسم «أمواج» شاركنا تحت مسماها بأعمال فنية غالبا ما كانت مسرحية خارج أروقة المدرسة، لتتطور المشاركة بعدها وتصل إلى جمعية الثقافة والفنون في الدمام الذي فزنا فيها بأكثر من جائزة مسرحية، إلى جانب حصولي على عدد من الورش التدريبية في فن التمثيل المسرحي في البحرين.
كيف وجد مجتبى نفسه بعد دراسة الإخراج؟
أنا ما زلت أدرس الإخراج في المعهد العالي في ألمانيا ولكن في المراحل المتقدمة حيث يركز المنهج التعليمي في هذه المرحلة على إنتاج الأفلام فقط، وهذا ما يجعل للدراسة في معهد بادنفوتينمبيرج خصوصية، حيث إن المعاهد السينمائية عادة ما تركز على المواد النظرية، بحكم شح الإمكانات، بينما المعهد الذي أدرس فيه، يرصد لكل طالب ميزانيات ضخمة لإنتاج الفيلم الذي يختاره.
كثير من الأسماء تقتحم هذا العالم دون دراسة؟ كيف تجدها؟ وما أبرز الأسماء التي نجحت في رأيك؟
لا أعتقد أن السينما كأي فن آخر يحتاج إلى دراسة، فهنالك الكثير من الأسماء التي تركت أثرا كبيرا، وقدمت أعمالا مهمة، وهي على الرغم من ذلك لم تدخل العالم السينمائي من بوابة أكاديمية، لكن هذا لا يعني أن الدراسة ليست ضرورية، ففي زمن تشعبت فيه التخصصات تصبح الدراسة ملهمة خاصة عندما تتوافر الظروف الإبداعية وليست كما يقوم به عديد من المعاهد التجارية، إنما الرهان الأهم يكون على الموهبة ومصارحة الذات، هنالك رغبة كبيرة من الشباب لدراسة الإخراج، بعضها قادم من حب التصوير وأخرى من الأدب... إلخ، ولا ضير في ذلك لكن الأهم هو بحث واختيار الفنان للمكان الأنسب له، مخرجا كان أو ممثلا أو مصورا دون الانبهار بجاذبية المواقع على حساب القدرة على الإنجاز.
بالحديث عن تجربتك في برنامج «بعيون سعودية» هل خدمتك التجربة؟ وكيف وجدتها؟
كانت أول تجربة لي مع التلفزيون، وكنت متخوفا كغيري من المخرجين في بداية الأمر من السقف التلفزيوني، لكننا فوجئنا بأن لكل مخرج منا الحرية التامة في اختيار نصه وتقديم فكرته. وهي تجربة خدمت المخرجين المشاركين في البرنامج خصوصا أن العادة جرت في أعمالنا السابقة أن نتحمل تكاليف العمل، وألا تكون هناك ميزانية لإنتاج الفيلم وهذا ما اختلف في برنامج بعيون سعودية حيث إن الأعمال كلها كانت من إنتاج المؤسسة المنفذة للبرنامج وتحت إشراف عام من الفنان ناصر القصبي، لذلك أصبحت هنالك أريحية في التحرك، وفي الحقيقة أننا أخذنا المسألة بجدية مطلقة، منذ اليوم الأول الذي أخبرني فيه أخي الكاتب علي سعيد بوجود برنامج للمخرجين وأنه اقترح اسمي، فتعاملت مع الفيلم بحساسية عالية لتقديم كل ما يليق بفن السينما واحترام وقت الجمهور.
الاحتفاء بالفيلم قبل إعلان النتيجة، هل كان مؤشرا على الفوز؟
للتوضيح فقط في البرنامج تم اختيار الفائز كمخرج للفيلمين الأفضل برأي لجنة التحكيم ولم يكن القصد من المشاركة في برنامج بعيون سعودية المنافسة بقدر التجريب واستثمار الفرصة المتاحة حيث لم يكن مقررا من البداية اختيار فائز واحد كما عرفت لاحقا، لكن الأهم هو أن الفيلمين وصلا فعلا إلى الجمهور وتفاعلوا معهما، عبر الاحتفاء الذي حصده فيلم ليمون أخضر وفيلم بوصلة، من خلال تعليقات الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي وقت عرض البرنامج.
هل كانت الأسماء الكبيرة عاملا مهما في هذه النتيجة؟
الأسماء الكبيرة، من النجوم الذين شاركوا في فيلم ليمون أخضر، كان حضورهم استثمارا لخبرتهم في فن التمثيل أمام الكاميرا وليس من أجل التسويق، لأننا لم نكن نعرف أصلا بوجود منافسة بين الأفلام لاختيار مخرج، وما حدث أن علي سعيد، بحكم معرفته بهم، دعا الفنانين: إبراهيم الحساوي وسمير الناصر وجعفر الغريب للمشاركة في دعم تجربة سينمائية شابه تولد في الساحل الشرقي، وقد رحب هؤلاء بالمشاركة دون طلب أجر لعلمهم بأن ميزانية الفيلم، شبابية وليست ترويجية، والحقيقة أننا مدينون لهؤلاء الكبار في كل ما قدموه وإثباتهم مدى إخلاصهم للفن.
ليمون أخضر والبيئة المحلية، والأسماء الرنانة، يقابله بوصلة بحداثته وأسمائه غير المعروفة.. هل نجح مجتبى في إثبات بصمته وتميزه بقدرته على التعامل مع الأضداد؟
تقديم فيلمين مغايرين بعالمين وبيئتي إنتاج مختلفتين في عام واحد، كان تحديا حقيقيا، شاءته الظروف ووفقنا في تحقيقه، أظن من الضروري أن يتمكن المخرج من التعامل مع الأضداد فنحن نتحدث عن إخراج سينمائي لفن الدراما، وذلك يعني التنوع في الحكايات والعوالم التي ينطلق منها وبالتالي من الضروري أن يقوم المخرج بهذه المهمة بنجاح.
هل أصبحت المسؤولية أكبر بعد الفوز؟
المسؤولية قبل الفوز وبعد الفوز لم تختلف، ربما نشعر بأن من شاهد الفيلمين سينتظر أفلاما بالقوة ذاتها، لذا سنحرص على أن لا تخيب ظنه.
ما الذي ننتظره من مجتبى سعيد، وما الذي ينتظره مجتبى بعد هذا الفوز؟
هناك عمل روائي قصير حصل منذ فترة بسيطة على دعم من مهرجان دبي السينمائي وهو من كتابة علي سعيد والعمل الآخر روائي طويل ما زال العمل على كتابته جاريا. أتمنى أن أرى اهتماما أكبر من المنتجين السعوديين بالأعمال السينمائية الجديدة وأننا نعمل بشكل جاد، فهنالك أسماء رائعة تستحق الاهتمام والدعم في الوسط السينمائي السعودي.
بعض المهتمين أشار إلى تفوق بوصلة على ليمون أخضر فما سر جماهيرية الأخير؟
لا أرى من المنصف أن نقارن الفيلمين ببعضهما، لأن كل فيلم منهما يحلق في عالم سينمائي خاص، والفيلمان ليمون أخضر وبوصلة للكاتب ذاته وكذا للمخرج نفسه والمصور والمونتير، وما اختلف هو اختيارنا لماذا نريد أن نقدم، ففي ليمون أخصر قدمنا جرعة سينمائية وبصرية عاليه، وتعاملنا مع القصة الإنسانية كمستوى من مستويات السرد السينمائي بجوار مستويات أخرى منها العالم الذي تدور فيه الحكاية «الساحل الشرقي»، بينما في بوصلة حيث الفكرة والحكاية الجديدة والمغايرة التي اتسعت لشخصيات عديدة في زمن قصير نسبيا، هو ما دفعنا لنخوض التجربة، أما الأمر الآخر فإن ليمون أخضر يحتاج إلى مشاهد شغوف بفن السينما للتوحد فيه، فيما يعد بوصلة فيلما جماهيريا أثبت نجاحه في صالة السينما عندما عرض للجمهور في دولة قطر نهاية شهر تموز «يوليو» الماضي.
بصمتان وكاتب واحد، ما سر هذا اللقاء بين الأخوين سعيد؟
علي سعيد، إلى جانب كونه أخي، هو كاتب ومثقف ينتمي للفن بإخلاص كونه يعمل في مجال صحافة الثقافة والفنون منذ سنوات، وما حدث أننا لم نرتب للعمل معا، بل شاءت الظروف أن نلتقي، وأظن أن هذا اللقاء هو في طور التشكل وقد بدأ بليمون أخضر ثم بوصلة والقادم سيكون الأفضل.
بعد نجاح الفيلمين.. هل تلقيت عروضا لإنتاج أفلام أو مسلسلات؟
أجل، من أكثر من جهة وما زلت في طور التحضير لتقديم الأفضل.
ما الرسالة التي وضعها مجتبى نصب عينيه، وأين يوجه بوصلته؟
الرسالة هي نشر قيم الفن والجمال هذا إذا اتفقنا أن ما نقدمه رسالة، أما عن اتجاه البوصلة، فهي باتجاه التركيز على إنتاج العمل القادم.
كيف تنظر لحراك صناعة الأفلام في السعودية؟
قلق على التجربة في الحقيقية، رغم ازدهارها ووجود عديد من المواهب فيها، إلا أنها تتحرك ببطء بسبب شح الدعم وغياب المعاهد، أتمنى حقا من جمعيات الثقافة والفنون أن تدعم إنتاج أفلام سينمائية سعودية، ولا تكتفي فقط بالعرض والمهرجانات على أهميتها وشكرنا لما يقدمونه في هذا الاتجاه، لكن إنتاج الفيلم هو التحدي الأكبر أمام المخرج السعودي الشاب، لذا أتمنى أن توجد جهة تدعم إنتاج الفيلم السعودي وهو أمر غير مستحيل حتى في غياب صالات سينما.