إلى أبي مع التحية؟
يلقي كثير من الآباء دور الأبوة الفكرية والروحية خلف ظهورهم، ويتركونه لخارج المنزل، سواء المدرسة أو الأصدقاء! وفي النهاية سيحصد الآباء ما زرعته أيدي المعلمين والأصحاب من غرس في نفوس أبنائهم، من غير دور للآباء في تحديد هوية ونوعية معلمي أبنائهم.
ومن جهة أخرى، حرم بعضهم من الأب اللحمي في صغره، وتـلـقائياً ُحرم من حنانه، ويعتبر وجود أباه بركة في المنزل، حتى لو كان صامتاً قابعاً في غرفة ظلماء، والبعض ُحرم من حنان أبيه مع وجوده في حياته، وإن عدمه كوجوده!، متمنياً لو يلغى دور أبيه من دائرة أسرته، والبعض يرى إن والده عرقلة في حياته، وإنه السبب في فشله في هذه الدنيا، والبعض الآخر يعتبر أن وجود أباه فقط لوجوده اللحمي، ويتمنى لو لم يخلق أباه ولم يوجد هو بهذا العناء.
أما المحظوظون، وهم في مكان غبطة الجميع، فقد رزقوا بآباء نخبة وقدوة، تراهم يقلدون الأنبياء حتى في كلامهم، يراعون أبنائهم من هفوة اللسان وغبار الأيام، يقفون كي لا تقع الشمس على رؤوس أبنائهم، يكرمونهم حناناً قبل الإشباع، وتربية قبل معلميهم، يتركونهم أرض خصبة لتلقي علوم الأخلاق والمعرفة، ولغرس يانع يسهل على المعلم العناية به وتشذيبه.
في كيلتا الحالتين السابقتين، يهم ويهتم الشارع المقدس بأولويات إحترام الأب مهما كانت سلبياته وأخطاؤه، ويعتبر عقوق الأب من الكبائر، وأهم شي يقف عنده، عدم إطاعتهم في معصية الله، قال تعالى « وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » سورة العنكبوت
عند العرب، يرث الإبن الأكبر حاجيات أبيه الخاصة بعد رحيله، كالخاتم والحصان والخنجر والمصحف وكرسيه وعصاه التي يتكأ عليها، ولو تأملنا كيف يحترم الأب عند بعض الملل والشعوب، لوقفنا وقفة إجلال وتعظيم لتلك الشعوب، ولأمرنا أبنائها بتقليدهم بعاداتهم وتقاليدهم، ففي البلدان العربية ُيقبل كل أبناء الأسرة يد الأب أول النهار وآخر النهار، قبل الخروج والدخول، ولا يجوز النظر والتحليق في عيني الأب.
هنيئا لمن يجد أباه كل صباح ويكحل عينيه برؤيته، وهنيئاً لمن يجد فرصة ليخدم أبيه، وهنئاً لمن يزور أبيه، وهنيئاً لمن يستمع ويتحدث ويحاور أبيه، فمهما أخطئوا في الحياة معكم، فهم السبب في وجودكم وقراءتكم هذا المقال.