نحو يقظة أمنية فاعلة
من يقرأ التاريخ يدرك بأن الارهاب لم يكن وليد هذا القرن! وانما نشأ بنشأة البشرية حيث كان الوسيلة الفاعلة لتحقيق الغايات لدول ومجموعات وعصابات كانت تتخذ الترهيب والترويع والقتل وسفك الدماء واحتلال المدن وهدمها وسيلة للعيش والكسب وبسط النفوذ، والكتب التاريخية تشهد على فظاعة الاحداث وبشاعة الجرائم التي ارتكبت في تلك الحقب التاريخية المظلمة، والتي لم يصل لنا سوى النذر اليسير منها.
اما اليوم مع التقدم العلمي والتكنلوجي الذي ساهم في تحويل العالم الى قرية صغيرة يتابع فيها الانسان ما يحدث من اقصاه الى اقصاه ويتفاعل مع الحدث في نفس اللحظة، فلم تكن الأحداث التي مرت على أمتنا العربية والاسلامية خلال العقود القليلة الماضية لتخفى عن الكثير من شباب الأمس ورجال اليوم، فقد كان الجميع يتابع الأحداث بحلوها ومرها وبتفاصيلها ويعيش الخبر بكل تجلياته المفرحة والمحزنة وكأنه يتابع مسلسلاً تلفزيونياً فيه من الكوميديا والتراجيديا ما يجعله يبكي ويضحك في آن معاً!
وعند استعراض الأحداث التي مرت بها امتنا العربية والاسلامية نرى ان الارهاب خيم على الكثير من البقع الجغرافية واناخ بركابه في الكثير من الدول العربية والاسلامية من الصومال والسودان الى افغانستان وباكستان والشيشان ولبنان الى اليمن مروراً بمصر والجزائر وتونس والقائمة تطول، اما العراق وسوريا فكان لها الحظ الأوفر من سطوة يد الارهاب خلال السنوات الماضية، فقد جنت تلك اليد الآثمة التي تدعي الاسلام على تلك الدول بصورة بشعة للغاية تجاوزت كل القيم والاعراف الدينية والانسانية، هدم الحجر، وقتل البشر، ولم تراعى حرمة الانسان وقدسيته! وحتى الأولياء والصالحين في قبورهم لم توفرهم يد الارهاب الحاقدة!
ولأن الارهاب لا يملك وسيلة للعمل والبناء غير القتل والتدمير فهي مرتع خصب ينتعش ويترعرع فيها، فقد دخلت مجموعات كثيرة الى العراق على يد منظمة القاعدة «التكفيرية» مع ا لاحتلال الامريكي ولكنهم بدل ان يقاتلوا القوات الغازية كانوا يقتلون الابرياء ويفجرون المساجد والمدارس والكنائس ولم توفر ايديهم الآثمة شيء، فكان لزاماً على الشعب ان يتصدى لأمنه الداخلي ليحفظ الارواح والممتلكات! فكلما حاول الناس ان يجدوا طريقاَ للتخلص من العمليات الارهابية كان الارهابيون يجدون وسائل مختلفة عنها، فقد تألق ابداعهم الشيطاني في كيفية القتل وطرقه واساليبه.
وحتى العمليات الارهابية التي حدثت في بلادنا كانت بأساليب مختلفة فلم تكن تحمل طابعاً او اسلوباً واحداً فالمرة الأولى كان الرصاص الحي في الدالوه وفي المرة الثانية كان في منطقة تبعد اكثر من مائة وخمسين كلم في مسجد في قرية صغيرة وكان تفجيراً انتحارياً في مسجد الامام علي بالقديح وفي المرة الثالثة كان في مدينة تبعد عن القطيف وقراها والمستهدف فيه النساء في مسجد الامام الحسين في العنود.
فالارهاب لا يردعه قيم او ضمير او اخلاق فهم يفجرون المساجد والكنائس والاسواق ويبحثون عن الخاصرة الرخوة في المجتمع لاستهدافها، همهم خلق حالة من الفوضى، واكثر الوسائل التي تتخذها الجماعات الارهابية لتحقيق اجندتها هي:
1 - اطلاق الرصاص الحي على التجمعات الآمنة في ساعات الزحام.
2 - التفجيرات الانتحارية سواءً كانت بواسطة تفخيخ الانسان لنفسه «ماشياً» او عن طريق السيارات المفخخة او الدراجات النارية التي تحمل كمية من القنابل.
3 - استخدام المواد الكيمائية والغازات السامة او حتى الجرثومية للإضرار بأكبر قدر من الناس وعلى مدى زمني طويل.
4 - تدمير الحياة البيئية والفطرية للمجتمع بهدف الاضرار به صحياً واقتصادياً.
5 - الاختطاف وطلب الفدية او التصفيات الجسدية والابتزاز
6 - استخدام الطرود المفخخة او حتى القنابل التي توضع تحت السيارات بمغناطيس.
7 - الاغتيالات للشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية.
وحيث ان مكافحة الارهاب تحتاج الى تضافر الجهود بين مكونات المجتمع وبين الدولة وأهمها:
أولاً: ما يجب على الدولة ا لقيام به لمنع الارهاب والتصدي له: -
1 - البحث والتحري بشكل دقيق عن اماكن تواجد المنظمات الارهابية وقياداتها وعناصرها ونواياها الارهابية واماكن المحتملة لتحركاتهم واستهدافهم.
2 - البحث عن المتعاونين والمتعاطفين معها والداعمين لها والتأكد من مصادر تمويلها ودعمها الاعلامي، والبشري والثقافي.
3 - انشاء الإدارات والبرامج والمعاهد لبحث مشكلة الارهاب ومكافحته بالوسائل العلمية والنفسية وعمل الدراسات لذلك.
4 - انشاء وحدات متخصصه في مكافحة الارهاب وتدريبها تدريباً عسكرياً واستخباراتي وتقني وفني ونفسي
5 - التخطيط لتنفيذ الضربات الوقائية الاستباقية ضد الخلايا الارهابية اينما وجدت وإحباط مخططاتها.
6 - تأمين شبكة الانترنت المعلوماتية من الاختراق أو الترويج وبث الأفكار المتطرفة التي تجند الشباب للسير في فلك الارهاب.
7 - ايجاد البيئة المستقرة للمجتمع وارساء قيم العدل والرفاهية لأن الظلم والفقر اكبر الاسباب لانخراط الشباب في الجريمة والارهاب.
اما دور المجتمع فعليه ان يقوم لمكافحة الارهاب بما يلي:
1 - الانتباه واليقظة من كل حركة مريبة او اشخاص مشكوك فيها وان ينسق مع الجهات الامنية لحفظ الأمن.
2 - التفتيش في مداخل المساجد والتجمعات ومنع دخول الاشخاص الغرباء بدون تفتيش
3 - وضع الحراسات الامنية الاهلية ووضع كاميرات المراقبة في التجمعات ومراجعتها بشكل دائم
4 - على المحيطين بأي مسجد او مكان للتجمع ان يبلغوا عن أي حركة مريبة يشاهدونها
5 - تحصين المجتمع وتثقيفه امنياً لمكافحة الارهاب.
6 - اخذ الدورات التدريبية الكافية لجميع فئات المجتمع في مكافحة الحرائق والاسعافات الاولية ومواجهة الكوارث.
7 - الاستعداد النفسي فالارتباك والقلق والتوتر يزيد من المشاكل ويفاقم الاوضاع دون أي نتاج.
8 - وعلى كل الموجهين الدينين والاجتماعيين اشاعة جو من الود والتسامح ونبذ التعصب والعنف.
اخيراً سيبقى الارهاب يضرب يميناً وشمالاً للنيل من وحدتنا وقوتنا وثباتنا، فعلينا ان نصبر ونستعد لمواجهته فالخوف والهروب لن ينفع في صد موجة الارهاب ضدنا، وليكن املنا بالله وثقتنا به وبأنفسنا لنحمي وطننا واهلنا ومقدساتنا قال تعالى: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ** لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ»