البطالة مخدرات المجتمع
البطالة مأساة إجتماعية وآفة خطيرة ، دخلت مجتمعنا وتفشت فيه ، وترعرعت وتضخمت شيئا فشيئا حتى أصبحت ظاهرة مخيفة ، بل مرض عضال بحاجة ماسة إلى علاج أو استئصال إن أمكن ، وانتشار هذه الآفة في المجتمع وتفاقمها له تأثيره السلبي البالغ على الجميع ، المجتمع في هدر هذه الطاقات وعدم الاستفادة منها ، وانجراف البعض للانحراف و الجريمة ، والشباب في تحطيم أحلامهم وبناء مستقبلهم والرضوخ للواقع بأي ثمن يكون ، والأهل في انتشار الفقر والعوز والحاجة لما يأملون من أبنائهم...!
هذه الظاهرة المخيفة خلقت فجوة بين الشباب وبين المجتمع ، ووضعتهم في حالة غير مستقرة ماليا واجتماعيا ، كما أن تفاقم الحالة مع الوضع الحالي الذي نعيشه متعب جدا ، فكيف بزيادة الجامعات والكليات ، التي وصل عددها في المملكة إلى أربعة وعشرين جامعة ومائة وثلاث كلية ، تخرج في كل سنة الآلاف من الطلاب والطالبات ، ونسبة التوظيف لا تتوافق مع نسبة التخرج إطلاقا....!
#0000cc" >الإحصاءات الدولية والمحلية المعبرة عن البطالة في المملكة العربية السعودية مخيفة جدا ومرعبه ، مع تعدد واختلاف الأرقام والمصادر ، إلا أن الجميع أجمع على ارتفاعها وتفاقمها ، فهي تتراوح بين 14إلى 35 في المائة حسب آخر تقرير صدر مؤخرا من قبل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي ، #0000cc ; FONT-FAMILY: 'Arial','sans-serif'; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-bidi-language: AR">وأصدرت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في وزارة الاقتصاد والتخطيط ، أن نسبة العاطلين في المملكة يشكلون 60.7 بالمائة من إجمالي العاطلين عن العمل ، #0000cc ; FONT-FAMILY: 'Arial','sans-serif'; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'">إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم المعلنة في المملكة لتصل من 10 إلى 35 بالمائة ، بل البعض يراها 100 بالمائة.
#0000cc" >والجدير بالذكر أن مستوى البطالة لحملة الشهادة الثانوية في المملكة 37 في المائة ، ونسبة البطالة بين أوساط الجامعيين 36 في المائة ، والمرحلة المتوسطة 32 في المائة ، إضافة إلى وجود البطالة الأنثوية وكذلك المتزوجين العاطلين عن العمل.
هذه الأرقام معايير أكاديمية لقياس ومعرفة حجم المشكلة ، لكن الأدهى وأمر هو الواقع الذي نعيشه وما يعكسه من ألم وحرقة ، فبمجرد أن يطرح إعلان عن وظيفة ما....! ، تجد الأعداد الغفيرة تتقدم من كل حدب وصوب لهذه الوظيفة وكأنه حلم لا يمكن تحقيقه ، أو ظاهرة تتكرر في السنة مرة ، لكي يحظى أحدهم بهذه الفرصة ، التناسب بين الوظائف مع المتقدمين نسبة جنونية لا تكاد تصدق ، فهي 1 إلى 2000 ، أو أكثر بغض النظر عن مستوى الوظيفة ، ألا يدل هذا على إنذار خطير ومرعب ، يدل على تفاقم الأزمة إلى حد جنوني لا يمكن تصوره ، إلا لمن يعيشه.
شبابنا والحمد لله على قدر كبير من النضج ، وعندهم القدرة والقابلية على التعلم والمعرفة ، يجب الثقة بهم ودعمهم ، وهم بحاجه إلى الخبرة والتجربة ، وهاتان الصفتان لا يأتيان من السماء بل يجب أن نسعى لتوفيرهما لهم ، وهذا البلد يستقبل الأجانب ويعطيهم المعرفة والخبرة ثم يرحلون للأماكن الأخرى ويستفيد بها غيرنا ، وكما هو معروف مجتمعنا هو حقل تعليم وتطبيق لمثل هؤلاء فيأتون عندنا فقط للتعلم والتجربة وندفع لهم أجر على ذلك ، ونبعد أبناءنا ونحرم عليهم هذه الفرصة.
#0000cc" >لا توجد وظائف لأبنائنا ولا يسمح لهم بالخروج ليعملوا خارج المملكة ، فما الذي يستطيعوا فعله ، هذا يذكرني بالقول:
#0000cc" >
ألقاه في الماء مكتوف اليدين وقال إياك إياك أن تبتل بالماء !
#0000cc" >إذا كنا لا نستطيع فتح مجال لهؤلاء الشباب ولا نستطيع حل مشكلتهم ، يجب أن يفتح لهم باب الرزق في مكان آخر حتى لو كان خارج السعودية ، كي يسعوا في أرض الله طلبا للرزق.
المملكة تدفع الملايين لنشر التعليم ، وتخرج الآلاف سنويا ، فينهي الشاب دراسته التي كلفته وعائلته الكثير من الجهد والعناء والمال ، طمحا في التعويض عليهم ورد الجميل لهم ، وكله أمل في بناء مستقبل له ولهم ، وحياة إجتماعية كريمة ، فيتخرج ويعيش في هذه الدوامة التي تسرق كل أحلامه ، فيجلس إما حبيس البيت ، أو عاملا بأجر لا يتناسب مع وضعة العلمي والاجتماعي ، وإذا لم يحصل لا هذا وذاك جلس يائسا محبطا ، يدفعه هذا اليأس والإحباط للمرض النفسي أو الجنون.
هذه الطاقات الشابة المملوءة بالحماس والأمل والمتطلعة للمستقبل قضي عليها ، وأصبحت بعد كل هذا التفاؤل محبطة متعبة ، فإذا انحرفت وانجرفت ومشت في طريق الجريمة لا تلام ، فالوطن بتعسفه وحرمانه هو المسئول عن هذا الانحراف....! ، مع احتياجاتهم المتعددة وتدخل الأهواء والإغراءات والحاجة ، والحالة النفسية التي يعيشها هؤلاء كلها عوامل قوية لإغوائهم ، فإذا زاد ذلك بجليس السوء وضعف الوازع الديني أصبح قنبلة جاهزة للانفجار في أي لحظة ، وأرض خصبة للانحراف والانجراف لأي اتجاه ممكن ، حتى للأمور المشبوهة ، كالمخدرات ، والسرقة ، والجرائم الأخلاقية ، وما شابه .......!
والانحراف تأثيره مباشر على المجتمع وأمنه واستقراره ، والوطن هو المسئول عن المجتمع ، فعلى الوطن إيجاد حل لمثل هذه الظواهر الغريبة والبعيدة عن أخلاقياتنا وعاداتنا ، وما لوحظ من ارتفاع نسبة الجريمة ، إنما هي عوامل مختلفة تداخلت مع بعضها البعض حتى أوصلتنا لما نحن عليه اليوم ، وأحد عواملها هي البطالة ، فالشباب هم العمود الفقري للمجتمع ، يرتكز المجتمع عليهم ، بهم يرتفع البناء وبهم يهدم ، والمستهدف أولا وأخيرا هم ، ودور الوطن هو النهوض بهم وتنمية إمكاناتهم وقدراتهم وتوفير فرص العمل لهم ، حتى يرقى ويرتفع بهم ومن ثم يرتفع ويرقى بنهضة الأمة والوطن.
مع هذا الوضع الاقتصادي المتردي الذي نعيشه ، والتضخم المخيف ، والبطالة المزمنة ، كل هذه العوامل حاصرت أحلام الشباب وقضت على طموحهم وعزيمتهم على مجابهة الحياة ، ولابد من تدخل الدولة والمجتمع لحلها بأسرع وقت ممكن ، في حين أن المسئولين من قبل الدولة يعلنوا عدم مسئوليتهم عن هذا التقصير ، ربما هذا البلاء أصبح كالمطر ينزل من السماء ، لا..! وألف لا...! ، فالمسئولية الأولى هي مسئولية الوطن والدولة وأجهزتها ، وهي تملك الحل ، ولديها الدور الأول والأخير لمحو هذه الظاهرة المريضة ، فلتبدأ بترتيب أوراق الوافدين عليها ، وتعمل بإصرار على الشركات لاستخدام أبناء الوطن وليس غيرهم ، وسعودة مكاتب التوظيف في القطاع الخاص ، ووضع آلية واضحة لرواتب الشركات ، ومتابعة الرواتب مع الشركات والمؤسسات بحيث تكون كافية وقابلة لفتح بيت وعائلة ، وتبدأ تدريجيا حتى تقضي عليها كاملا.
إذا تغلغلت هذه الآفة في المجتمع فلا يمكن بناء إنسان صالح ومجتمع صالح ، فقد تسببنا في حرمان هذا الشاب وتجويعه وإهانته ، فعندما يضحي بأحلى سنين عمره في العلم والمعرفة ، ويتخرج بروح منفتحة ليطبق ما درسه على الواقع ، إذا به يواجه هذا الحرمان الشنيع مما قد يؤدي إلى انعدام الثقة والتوازن بينه وبين الوطن ، هذا ويرى سهولة غير المواطنين في الحصول على الوظائف ، والتنقل من شركة إلى شركة أخرى وهو محروم منها ، ألا يؤذي هذا إلى الحقد على هذه الازدواجية في المعايير المتغايرة بين أبناء الوطن وغيرهم....
خلاصة القول انه لا بد من حل لهذه المأساة ولو تدريجيا ، استمرار الوضع بهذه الحالة سينفجر، وسيفجر مأساة لا يعرف كيف الخروج منها ، وانعكاساتها على المجتمع أسوء بكثير مما نتوقع ، وما يعانيه المجتمع اليوم من الجريمة المنظمة ، والتجاوزات الغير أخلاقية الدخيلة على مجتمعنا العفيف ، والأسوأ انتشار المخدرات بأنواعها ، بل تعدينا ووصلنا لجرائم القتل ، كل ذلك والبطالة لها دور كبير في هذه المشاكل ، لقد كثرت النداءات لحل هذه الظواهر ولكن لا نجد مبادرات صادقة متوجهة للحل ، وكأنها مدعومة للوصول بها إلى أكثر من ذلك.
أملنا بالله وبالدولة لوضع حل نهائي لإنهاء هذه المأساة وإخماد لهيبها........
هذا والله ولي التوفيق.
