مسؤولية الفكر والقلم!
يحكى إن أحدهم أدعى النبوة في زمن نبي الله موسى ، فنشر تعاليمه التي أدعى إنها منزلة عليه من الله، فعقد الخطب وكتب الألواح ووزعها على من حوله من القرى، فأصبح له أعوان ومصدقين، وبعد مرور حصة من الزمن، وسقوط عرش فرعون، أعاد مدعي النبوة حساباته، وراجع نفسه، وأعلن توبته، فذهب إلي النبي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فقال له: لك ذلك، فباب التوبة مفتوح، لكن من سيقنع ضحاياك بالتوبة والعودة إلي الحق؟ فمنهم من مات وهو معتقد برسالتك، ومنهم من هاجر وهو مؤمن بحجتك، وأكثرهم ليس لك علم به، فلقد رسخ وتجذر ما أدعيت به وكتبته ونشرته من فكر وتعاليم بعقولهم وقلوبهم، وأنت زائل لا دائم، فإن لم تمت اليوم، ستموت غداً، وسيبقى ما أوجدته وبصمته بعد موتك، تتناقله الألسن وتتلاقحه العقول وينشره الشذاذ، وكل ذنب سيصدر من أتباعك هي على عاتقك وبرصيدك، إذ لا مفر ولا عودة من العقاب، فأنت لم تخطئ لوحدك، بل جررت خلفك أمة تعقب أخرى، وكبلت عقولاً بأفكارك وسمومك، وتريد الهروب بالتوبة، وترك الناس في وحل الخطيئة.
أخي الكاتب صاحب القلم، وأخي الخطيب صاحب المنبر، وأخي الإعلامي صاحب الفكر والرأي، وأخي المسؤول صاحب المؤسسة الإعلامية: أعتبر من القصة الأنفة، ولا تنسى إن كل ما تبصمه وتتركه من أفكار وأقوال وإيمان وعقائد للناس بكتاب أو مقال بصحيفة، أو ببرنامج إعلامي، أو حتى لما ينشره العوام بوسائل الاتصال الاجتماعي، سيسجل بأسماك وسيضاف برصيد أعمالك، ومن سيقع بشباكك سيسجل بقائمة المصدقين بك وأحد ضحاياك، فأنت الأداة والسبب والمداد والقناة بوضع تلك الأفكار بخيرها وشرها بقمع عقولهم، فربما تجد اليوم المال والجاه والشهرة، لكن كل هذا لن يدوم، وستزول أنت وطيلسانك وهيلمانك، ويبقى آثرك تتناقله الأجيال والشعوب، فإن كان خيراً فهو لك، وإن كان شراً فهو عليك، فأختار الجميل الحسن، والحق الصادق، وأعلم إنك إن نجوت اليوم بالدنيا من بين العباد، فلن تنجوا غدا بالأخرة من رب العباد، أو أتبع الحديث « قل خيراً أو أصمت ».