السيد ماجد السادة: العلمانية تشرعن التفسخ الأخلاقي في أحد مرتكزاتها
قام جمع من المثقفين من عدة لجان اجتماعية بزيارة للعلامة السيد ماجد السادة مساء الجمعة الموافق 8 شعبان 1435 ه للحديث حول جملة من المتغيرات الفكرية والثقافية التي تشهدها الساحة المحلية.
وابتدأ سماحته بالآية: «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب» واصفاً إياها بأنها تحمل قاعدة مهمة جدًا في تقييم وتمييز ونقد الأفكار والأيديولوجيات عبر إعمال العقل ومرتكزاته ليصل إلى الهداية في نهاية المطاف. حيث أن الانغلاق يجعلك ضعيفاً في قبال الأفكار الأخرى بينما الانفتاح يعزز خياراتك ويقوي تمسكك بها.
وأوضح السادة أنه لا ينبغي الخشية من قراءة المدارس الفكرية الأخرى من أجل تعزيز الفكر، والانفتاح على ما توصل إليه البشر من آراء وأفكار، حيث أن الانغلاق يجعل الإنسان ضعيفاً في قبال الأفكار الأخرى.
وفي حديثه عن واحدة من المذاهب الفكرية المتداولة، تناول السيد ماجد السادة العلمانية والتي وصفها بأنها تمثل منظومة فكرية شاملة تتمظهر في أبعاد عديدة في حياة الناس وليس كما يعتقد البعض ويصوره لعامة الناس من أنها تنحصر في فصل السياسة عن الدين. متناولاً منشأ العلمانية والمرتكزات الفكرية والمناخ الذي برزت فيه. حيث قمع الكنيسة لحركة التنوير وإقامتها محاكم التفتيش للعلماء والمفكرين ومباركة الكنيسة لكل أشكال القمع والظلم الذي يعانيه الناس من الملوك والإقطاعيين إذ كانت الكنيسة تمثل أحد ركائز ثالوث الاستبداد والقهر في أوروبا مع الملوك والإقطاعيين فانبثقت العلمانية في مناخ معادي وبشراسة للكنيسة وتدخلها في الشأن العام.
وأوضح أنه في العالم العربي، ينقسم رواد العلمانية إلى ثلاثة أقسام:
1 - ضد الدين ويرون أنه أفيون الشعوب.
2 - من يرى أنه لا تعارض بين العلمانية والتدين، ومن رواد هذه النظرة الدكتور محمد عابد الجابري.
3 - من يرى أن جذور العلمانية إسلامية، فالإسلام علماني كما يراه الدكتور حسن حنفي والدكتور محمد أركون.
وأوضح ساحته ثلاثة مرتكزات فكرية للعلمانية: الفلسفة المادية واللامعيارية قيمية ونزعة الأنسنة. فمن ارتكازاتها أنها ترتكز على الفلسفة المادية التي لا تؤمن إلا بالمحسوسات واعتبارها لغيبيات الدين خرافات وأوهام. أوضح السادة أن هذه النظرة الفلسفية أثرت حتى على المناهج العلمية، كما أثرت على البعد الأخلاقي والمعنوي المرتبط بالسياسة والاقتصاد والمجتمع حيث تتعامل مع الإنسان كمادة لا كمادة وروح.
وحول اللامعيارية قال أنه لا توجد هناك قيم ثابتة تعتمد العلمانية كمعيار، بل المعيار الأساس في العلمانية هو المنفعة واللذة، فقيمة الأشياء هي بما تجلب من منافع. وهذا المرتكز أنتج وانبثقت منه:
أ/النسبية الأخلاقية: حيث الأخلاق والقيم ليست ثابتة في مختلف الأجيال، حيث قد يتحول الممدوح لمذموم والعكس بمرور الزمن كما في تحول قبح العلاقات الجنسية بين الجنسين خارج رابطة الأسرة في العالم الغربي إلى فعل ممدوح وحضاري.
ب» البراغماتية النفعية: التي تعني انه لا مبادئ بل مصالح ومنافع تتحكم في المواقف والسلوكيات.
واختتم سماحة السيد ماجد السادة كلمته بالحديث عن نزعة الأنسنة التي يرتكز عليها العلمانيون وهي تحوي جوانب إيجابية كان يكون الإنسان هو المحور وأن يهتم به، لكن هناك مآخذ إسلامية على نزعة الأنسنة منها انه لا سلطة فوق سلطة الإنسان فتلغى بذلك حاكمية السماء والوحي، ولذلك فالعلمانية تشرعن التفسخ الأخلاقي الذي يرتضيه الناس لأنه لا سلطة فوق سلطة الإنسان، ولذلك تجدون علاقات الشذوذ والمثلية باتت مشرعنة في بعض البرلمانات الغربية العلمانية، وفقاً للسادة.
وبعد ختام الكلمة دار حوار مفتوح من قبل الحضور جاء فيه:
س1: تعتبرون العلمانية امة واحدة تمثل الشر، فهل يمكن القول بان هناك في الحقيقة صنفا مقبولا يجمع بين العلمانية والدين كما ذكرتكم.. أي هل يمكن الجمع بين العلمانية والدين أم أن هناك تعارضا جوهريا بين الاثنين؟
ج1: إذا أردنا أن نقرأ العلمانية فلنقرأها كفكر شامل غير مجتزأ، فكيف يمكن أن تكون متدينا وفي نفس الوقت علمانيا بالنظر للفكرة الشاملة للعلمانية وليس فقط فصل الدين عن السياسة؟!
ان العلمانية تمثل نظام اجتماعياً وليس فقط إجراء سياسيا فقط، فترتبط بالاقتصاد والأخلاق والعقيدة أيضا حيث تنفي الغيبيات التي هي من مرتكزات الدين.
بعض من يريدون تسويق العلمانية ينطقونها بكسر العين أي أنها وكأنها مشتقة من العلم بينما أن الترجمة الصحيحة لكلمة «secularism» هي: اللادينية أو الدنيوية وهو معنى كلمة العلمانية بفتح العين أي أنها مشتقة من هذا العالم الدنيوي.
س2: أين وصلت العلمانية في العالم الإسلامي؟
ج2: بعد نكسة حزيران عام 1967م، بدأت التيارات الإسلامية يشتد عودها قبال التيارات التي كانت مسيطرة وسائدة قبل تلك النكسة من قومية وشيوعية وغيرها حتى وصل الحال ببعضهم إلى منع الحروف العربية والحجاب وغيرها محاربة للدين مثلما فعل أتاتورك في تركيا.
ومن أسباب حالة الارتداد الفكرية عن الأطروحة الإسلامية لصالح الخطاب العلماني هو حالة القمع والاستبداد باسم الدين والاحتراب الطائفي بوجوه بواجهة إسلامية.
س3: على ماذا ارتكز من ادعى أن الإسلام علماني؟
ج3: ارتكزوا على بعض المشتركات مثل العقلنة وكيف أن الإسلام والقران يحث على اعتاد العقل ومثل اهتمام الإسلام وتحريمه للإنسان«ولقد كرمنا بني آدم» وغيرها مثل تقديم العقل، لكن لا يمكن الاجتزاء والتغاضي عن بقية الجوانب.
س4: البعض يطرح أن قراءة النص الديني متعددة، حيث لا يوجد طريق مستقيم واحد، ويحاولون إدخال الفكر العلمانية للفكر الإسلامي من هذا الطريق..
ج4: من مرتكزات العلمانية أن «لا مقدس» فالنص بعد أن تحدث به متكلمه أصبح لا يحمل معنى إلا ما يقرأه المتلقي للنص أي إن اللفظ لم يعد يحمل معنى بل المعنى عند المتلقي الآن مما يجعل الفكر المستوى هو فكر الإنسان وليس نور الوحي حيث لا يوجد معنى واحد ومفهوم للنص، ففي الحقيقة هو فكر الشخص لا الإله، بل وصل بعضهم أن يدعي أن القرآن ليس وحيا صافيا بل هو فهم الرسول الممتزج بظرفه الانفعالي النفسي البشري كما يدعي سروش.
س5: ألا ترون أن العلمانية وقعت في نفس المآخذ التي كانت تأخذها على الدين وأنها جاءت لتخلص الناس منها مثل الدكتاتورية في تركيا ومحاربة الحريات الشخصية للمتدينين في فرنسا؟
ج5: بعض الشعوب رأت في العلمانية منجاة لها إلا أنها بدأت تصرخ منها وتنقد مرتكزات العلمانية وبعض ما طرحناه هو من الإشكالات التي طرحوها هم، مثلا حينما تحولت العلمانية لتأليه الإنسان، والإشكالات على الديمقراطية مثل الطبقية في الحكم حيث عادت الإقطاعية بوجه جديد، إذ لا يمكن لأحد أن يحكم في الغرب إذا لم يكن ثريا ومليونيراً، وغيرها من الإشكالات.