حرامي زمان!
أنا محدثكم حرامي من أيام زمان، وقد أعلنتها توبة لوجه الله منذ عشر سنوات، ولقد أجرى معي الكاتب قصتي:
بالماضي، وأقصد بها أيام الطين والبيوت الشعبية، وهذا قبل عقود مضت، كان سر مهنتي أن أدهن جسمي بالسدر والبيض وأخرج بالليل والناس نيام، وأكون شبه عريان مع وضع الكحل أو الصبغ بوجهي كي أغير ملامحي، ومن يحاول الإمساك بي سيعود بخفي حنين كما يقال، لأني سأتملص منه كما يتملص اللسان من صاحبه أثناء الغضب، وعادة أخرج بصيد وفير من التمر والخبز وبعض النقود أن وجدت، كريالات الفضة وبعض الذهب، لكن مع الأسف الناس في حالة تقشف والفقر المدقع بكل مكان، فنادراً أجد ما يسرق من النفائس.
في هذا العصر، وقد أخذ مني الزمان مأخذا، وتضاريس عضلاتي قد تأثرت بتقدم العمر وتقلبات الحياة، وأسناني تناثرت هنا وهناك داخلي كهف فمي، وقبل أن أتوب وألبس الثوب الأبيض، قلت لنفسي لأجرب وأعمل شركة سرقة ليميتيد، وبسواعد وطنية مئة بالمائة، أو عصابة محلية كما تسمى لدى الشرفاء، فجمعت عدد من الشباب العاطل عن العمل، ”وما أكثرهم حين تعدهم وتريدهم“ ومن أهملوهم أولياء أمورهم، ون ُهم في عازه للمال ولديهم مصاريف لا تنتهي، المهم أصبح العدد مناسب بعد أغرائهم وإعطائهم الوعود الصادقة، أما بالنسبة لأعمارهم، فهم بين العاشرة حتى الثلاثين سنة، لكن معظمهم من المراهقين.
تتنوع السرقات وتصنف هنا كغيرنا من البلدان، فهي في وفرة والحمد لله طيلة العام، فأنواع السرقات ثلاث: منها سرقة المنازل أو السيارات أو المحلات، فسرقة المنازل تزدهر أيام العطل الأسبوعية والرسمية والأعياد، كون الناس تهجر بيوتها وترحل إلي مدن أخرى داخل وخارج البلاد، أو مما يزيد رزقنا غفلة كثير من الناس بإعطاء علامات أن بيوتهم غير مسكونة، وأما بالنسبة لسرقة المحلات، فصيدنا عادة على المحلات التي تقع بشوارع غير رئيسية أو بمناطق وقرى نائية أو بعيدة عن عيون الشرطة، أما سرقة السيارات، فتعتمد على غباء وبلاهة أصحابها، فمتى وجدنا سيارة في حالة التشغيل والأبواب مفتوحة، وصاحبها يتسوق بالمحل، فما عليك إلا أن تقودها بهدوء وترحل.
الحمد لله أني تبت توبة نصوحة ويشهد الله على ذلك، ولم أعد أعمل بالسرقة بعد سلمت نفسي وتلقيت جزائي، وقضيت ثمان سنوات من عمري بالسجن، لكن عندما سألني الكاتب عن سرقة هذا الزمان، فقلت وحسب خبرتي: لقد أصبح الناس أكثر غباءً مع احترامي لهم من ذي قبل، والآن إشارات السرقة أفضل من ذي قبل، فالرسائل الإلكترونية ووسائل التواصل الإلكتروني بأنواعها، تعج بأخبار البيوت الخاصة، والتي تخبر بسفر هؤلاء أو خروج أولئك من البيت، أو أن يخبر أحد أبنائهم الشريك بلعبة مع بعض العصابات عن موقع بيتهم، ومتى سيسافرون، فيوضع بيتهم في القائمة، أتذكر بالماضي أننا سرقنا بيت بعد خروج أصحابه لأربع ساعات فقط، ولقد أخبر صاحب المنزل عامل البقالة المجاورة بذلك، واتصالاتنا حصلت على الخبر بعلبة سجائر.
أتذكر كيف نجتمع نحن أفراد العصابة، وندعو الله أن يكثر من أعداد الأغبياء بالمجتمع، وخاصة سائقي السيارات، وأن يتركوا سياراتهم مفتوحة وهي تعمل وبها بضاعة، وأعداد هؤلاء الأغبياء في ازدياد، لكن أحياناً يحرمونا من سرقتها، وخاصة بوجود أطفال ونساء بها، فمهما يكن نحمل بعض الإنسانية. فكرتي من طرح قصتي للجمهور، أن أضعها نصيحة كحلقة بأذن كل إنسان، وهي أن يكون الإنسان حذر طيلة الوقت، وأن لا يأخذ الأمور ببساطة ولا مبالاة، أو بسذاجة، وخاصة في الخصوصيات العائلية والشخصية، وأن لا تتركوا منازلكم عرضة للسرقة، أو تترك البيوت والسيارات مفتوحة، أو بوضع جهاز ثمين كالجوال وغيره أمام اللصوص بالسيارة، ويقول المثل الشعبي ”المال السايب يعلم السرقة“، ولقد تنوعت وتعددت السرقات هذه الأيام، فظهرت سرقة الحسابات الإلكترونية، والحسابات البنكية، وسرقة الأسهم، وتزييف الأموال، وكل هذا لم نعيشه بزماننا والحمد لله.
نسيت أخباركم عن مهمة صغير السن بالعصابة، فعادة يكون نحيف وخفيف الحركة، فهو مفتاح السرقات، وخاصة المنازل، لأننا ندخله بجوف صندوق التكيف خلف البيت بعد رميه إلي الداخل، ثم يفتح الصبي لنا أي باب ندخل منه، فاتقوا الله في أبنائكم، واجعلوهم تحت عيونكم، وخاصة بزمانكم، زمن أنقلب فيه الليل نهار والنهار أصبح للنوم، ولم يعد ينفع سدر وبيض في زمانكم العصري، وبالمناسبة! أين دوريات الشرطة التي كنا نراها من قبل تجوب الشوارع؟ لقد نفقت! ألم تلاحظوا ذلك.