في التعايش والوحدة
التعايش بين أطياف المجتمع المختلفة ضرورة ومطلب لكل عاقل، وسبب للاستقرار الإجتماعي وسبيل لتوطيد العلاقات الإنسانية. كما أن غياب هذه الفضيلة من المجتمعات قد يخل بأمنها وأمانها على الغالب، ويوجد على ذلك الكثير من الشواهد التاريخية والمعاصرة.
فمن الشواهد التاريخية حرب الثلاثين عاما التي اجتاحت أوروبا بين عامي 1618م و1648م التي بدأت أولا كمواجهات دينية بين طوائف البروتستانت والكاثولك المسيحية مما أدى إلى اشتراك الدول المتحالفة مع كل من هذه الطائفتين في حرب حصيلتها المجازر والقتل والتهجير بصورة وحشية فظيعة. أما بالنسبة للشواهد المعاصرة فما يحصل اليوم في البلاد الإسلامية كفيل بتوضيح الصورة السوداء لغياب مبدأ التعايش بين الأطياف والأعراق المختلفة والمشهد العراقي تلخيص جلي لهذه المأساة!
خرج الكثيرون بدعاوى التعايش بين الطوائف الإسلامية وهذه بحد ذاتها بادرة جميلة وهي بطبيعة الحال بادرة موجودة لدينا منذ زمن بعيد، لكن المشكلة المتمثلة في معظم هذه الدعوات للتعايش هي آلياتها وركائزها التي ينبني عليها ذلك.
يجدر بي الإشارة إلى أن معظم هذه الأصوات لم تحقق حتى اليوم على الأقل معظم أهدافها التي خرجت من أجلها أو حتى أهمها وهو حفظ الدماء، وكثيرة هي المؤتمرات التي تعقد من أجل هذه القضية لكنها لم تحقق غياتها المنشودة حتى الآن. بمعنى آخر قدم الشيعة حتى اليوم الكثير من المبادرات مصحوبة بالتنازلات في سبيل وقف مسلسل الحقد والكراهية ولكن لا أثر لهذه التضحيات.
من أبرز من أراه تنازلا في سبيل قضية التعايش التي يصطلح عليها البعض بمصطلح «الوحدة» لدى عموم الشيعة هي مظلومية مولاتنا الزهراء التي لا ينكرها إلا من شذ، فما إن تطرح هذه المظلومية أو تناقش إلا وجاءك أحدهم واستنكر عليك ذلك بحجة أنك تخدش في الوحدة الإسلامية! حتى وإن كان هذا الطرح طرحا علميا موضوعيا. وأيضا يدخل في ذلك أيضا النقاشات العقائدية والأصولية التي أعتبرها من وجهة نظري أبرز المفاتيح لفهم الطرف الآخر وأفضل الطرق للتعريف بالهوية الشيعية بكل شفافية ووضوح، بل وحتى الدعوة إليها..
خذ مثلا كتاب ليالي بيشاور لسلطان الواعظين السيد محمد الموسوي الشيرازي الذي هو عبارة عن مناقشات ومناظرات في المواضيع الخلافية بين الطائفتين وكان ذلك عند مرور السيد بمدينة بيشاور فدار حينها حوار لمدة عشر ليال متتالية يطول إلى ست أو سبع ساعات وقد يستمر أحيانا إلى طلوع الفجر باشتراك كبار العلماء من الطوائف الأخرى، وكان لتلك الحوارات الأثر البالغ في التعريف بالهوية الشيعية في تلك البقعة، كذلك كتاب المراجعات للسيد عبدالحسين شرف الدين الذي جمع فيه مراسلات حوارية بينه وبين شيخ الأزهر آنذاك سليم البشري. عندما نرجع إلى هذين الكتابين نجد أنهما يتصفان بالوضوح في الحوار والبعد عن المجاملات وهذا جل ما نحتاج إليه اليوم في حواراتنا بشتى أنواعها.
المشكلة الأخرى وهي المعضلة الكبرى هذه الأيام! وهي جعل الطرف الذي يخالفنا محور صحة أفعالنا من عدمها أو بشكل أوضح أن نجعل الآخرين ممن لا ينتمون لمدرسة أهل البيت الحكم والميزان الذي يقرر ما إن كان الفعل أو الشعيرة الفلانية منطقيا أو عقلانيا!! وقد تفهم الغالبية ما أرمي إليه من الجمل الأخيرة ويستنكر إشاراتي لكنها بصراحة الواقع الذي أراه وأحس به من حولي وفي النهاية للجميع حق طرح آرائهم سواء خالفت فلانا أو فلانا من الناس.
في النهاية أرجو وأتمنى أن لايكون هناك أي اسقاطات أو شخصنة لكلماتي فأنا لا أقصد شخصا بحد ذاته بل أصف القضية عموما.. أسأل الله أن يحفظ صف الشيعة ويوفقهم لكل خير ويحفظ الإسلام والمسلمين من كيد المعتدين.