مأزق السيارة غزال
الكل تبرأ من منجز (السيارة غزال) بعد أن تغنوا بها، ولم يتبقى أحد حول الحلم. لقد تبخروا جميعاً وهربوا بسرعة كهروب الريح، وكتبخر قطرات ماءٍ قليلةٍ، إندلقت في صيفٍ حارٍ، فوق صفيحٍ ساخن.
وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة حمّل جامعة الملك سعود مسؤولية تأخير إنتاج السيارة غزال، حيث أنها لم تتقدم لوزارة التجارة لأخذ التراخيص اللازمة لتكملة المشروع الذي تبنته. أما جامعة الملك سعود من جهتها، فقد صرح مصدر فيها وصف بالمصدر المسؤول، فيما يبدو تبرؤاً ورمياً للكرة في ملعب الفريق الآخر، بأن دور الجامعة في مشروع إنتاج السيارة "غزال" ينتهي عند البحث العلمي. كما أوضح المصدر نفسه أيضاً، أنه لم يحدث أي جديد في مشروع السيارة غزال منذ عام 2010 م، مشيراً إلى أنه تم اسناد المشروع بكامل مكوناته لوزارة التجارة.
وهكذا غدت السيارة "غزال"، وقصة ذلك الحلم الوطني الكبير المشروع، لما وصفها به الدكتور في جامعة الملك سعود محمد القنيبط، عضو مجلس الشورى سابقاً، وعضو مجلس هيئة حقوق الإنسان، بأنها وبحسب تعبيره هو: "كذبة". وباتت في النهاية طبعاً، تتقاذفها الكرة يمنة ويسرى. وهنا في جدليات الساحة الساخنة، طرح الدكتور القنيبط بشكلٍ واضحٍ، إشكالات جريئة وحساسة وجادة، تحتاج منا للمناقشات الجريئة أيضاً والشفافة.
ولقد ناقش الدكتور القنيبط هذا الموضوع ضمن نقاشاته على موقعه على تويتر، وكان ضمن احتجاجاته الإتكاء على أخبار نشرتها الصحافة السعودية قبل مدة، حيث كان أحد تلك الأخبار مورداً للإستدلال، والحديث هنا تحديداً هو عن خبرٍ نشرته صحيفة الرياض في العام 2010م، والخبر يقول بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ: "ضخ رجل الأعمال محمد بن حسين العمودي نحو 1.03 مليار ريال في رأسمال أول شركة سعودية لتصنيع السيارات وقطع الغيار في السوق المحلي، والتي تعتزم جامعة الملك سعود وشركة ديجم الكورية لصناعة السيارات تأسيسها تحت مسمى شركة "غزال لتقنية السيارات"..... الخ". ومن حسن الحظ، أن الخبر هو خبرٌ صحيحٌ موثقٌ، وموجودٌ بالطبع في موقع الصحيفة حتى اليوم.
وهذا الرأي الصارم هنا، يجعل الدكتور محمد القنيبط رغم أسلوبه المؤدب في حواره لمخالفيه، والذي برز في تغريداته ونقاشاته، يصطدم مع توجه ورأي الدكتور راشد الفوزان، الذي نحى منحاً مخالفاً يتبنى الدفاع عن جامعة الملك سعود والقيادات التعليمية فيها، برميه التهمة والمسؤولية على الإعلام.
لقد حدد الفوزان دور الجامعة بالدور البحثي فقط. فالفوزان يقول في بعض تغريداته المتعلقة بالموضوع، على تويتر: "جامعة الملك سعود وإدارتها السابقة برأيي - بقيادة العثمان المتميز - أحرقها الإعلام وخرجت عن بعض أدوارها كصرح علم وبحث فقط ...". وهذا بالتأكيد ما لم يوافق عليه القنيبط.
وفي جانبٍ آخر من الموضوع، فقد رأى الكاتب والتربوي الأستاذ عبدالله فراج الشريف من جهته، أن السيارة غزال إنما هي سيارة (وهمية)، لم تصنع في المملكة، وانما جمعت كأجزاء مصنعة من قبل. وذم الفراج إستمرار البعض في الحديث عن السيارة الوهمية ( غزال )، واستمرار طرحهم للتساؤل: هل ستنتج أم لا؟!.
ويستمر هنا، ذلك التشويت الكروي المضحك في حكاية السيارة غزال، وتستمر تلك الكوميديا الساخرة، التي تكشف عن أن المواطن السعودي البسيط، يحلم بمجرد منجز وطني واحدٍ بسيط، أياً ومهما كان حجم ذلك المنجز، ليبلل به رمقه، وليجفف به ظمأه، خصوصاً في مثل هذه الظروف الإقليمية الحرجة، التي تحيطنا فيها دول جوار مختلفة ليست غالباً أفضل منا بكثيرٍ، يتباها بعضها في الطرف البعيد بمنتجاته العلمية والصناعية، وينافس ويفاخر بعضها الآخر القريب بقية جيرانه، بمستويات الرفاهية والإعلام والسياحة والتطورات التنظيمية والمؤسساتية والعمرانية ... الخ. حيث يحق للمواطن السعودي هنا طبعاً، أن يتحسس رأسه أو صلعته، ليسأل: أين هو موقعناً هنا حقاً من الإعراب؟!!!.
المغرد فيصل الشمري في طرفٍ آخر من تويتر، يحاول من جهة أخرى، توصيف المشكلة وتحديد الخلل، حيث يقول في تغريدة ساخرة له، على موقع التواصل الإجتماعي تويتر: "مشكلة الجامعة أنها ابتدأت بـ #السيارة_غزال لو إنها ابتدأت بـ السيارة_عصفور لكان أفضل. التدرج جميل ...". وحقاً كما يقول عبر كوميدياه الساخرة: "التدرج جميل"، وهو بالتأكيد أجمل حقاً من صناعة الأوهام، التي يتقنها البعض، والتي سئمناها جميعاً بالطبع.
أحد المغردين على تويتر أيضاً ويدعى حسام، اعترض على هذه المهزلة التي تبرأ منها الكل، بالقول: "الحين صارت #السيارة_غزال بحث علمي بس؟. السيارة كانوا مقررين ينتجونها وأخذوا موافقة الملك عبدالله وفجأة اختفى المشروع". ووضع رابطاً لصورة خبر باللغة الإنجليزية يتحدث عن ذلك المشروع وتفاصيله. وهذا يوحي بأن فضيحتنا باتت عالمية!!!.
أما الأخت المغردة منى الشايع، فيبدو أنها تمتلك مناعة سعودية خاصة، مثل كثيرٍ من السعوديين، لذا تستغرب ذلك الإستغراب، في موقف وتساؤل الأخ حسام، فقد علقت عليه بالقول: "كالعادة إذا جا الكلام تلقى كثير وإذا جا الشغل ما تشوف أحد". إذاً، فهي عادة محلية بامتياز، مع مرتبة الشرف، فلم الإستغراب؟!!!.
وعلى كلٍ، فالقصة هنا، قد تطول وقد تقصر، ولن تحصل على شيء مثمرٍ منها ولا من هذا الكائن الخرافي الأسطوري العجيب المسمى بالغزال، والذي قفز إلينا فجأة، في زمن الرقميات والنانو تكنولوجي.
لكن بالطبع، فلازال المواطن السعودي المخلص، يحلم بمنتج وطني حقيقي واحد، أياً ومهما كان، ليبلل به ريقه، وليستعيد به شيءً من ثقته الضائعة بنفسه، وبالمؤسسات والأجهزة والكوادر ... الخ الوطنية، من حوله. فهل سيكون هناك من يحقق له عاجلاً ذلك الحلم؟!!!. والسؤال موجه طبعاً هنا، لأهل القدرة والإختصاص.
وأما نحن هنا فسنبقى، حول تلك المنجزات المشابهة لـ (غزال ١)، ندور ونغني: "يا ليل ما أطولك" و"متى ياليل، سيتحقق لنا ذلك الحلم الجميل؟!!!، بعيداً عن كل تلك المسرحيات الفكاهية الكوميدية والتراجيدية المضحكة المبكية؟!!!" ... والسلام.