فيديو ... يهز مجتمع
نحن نعيش حالياً كما يبدو واقعاً في نفق مرحلة حساسة ومهمة جداً من مراحل تطور المجتمعات البشرية عموماً والخليجية بشكلٍ خاصٍ. ورغم أن معظم الخليجيين قد نجوا من ورطة الربيع العربي وويلاته، وهو الحالة الأبرز للدلالة على حجم التحولات ومقوماتها في الزمن المعاصر، إلا أن المجتمعات الخليجية في النهاية لا يمكنها أن تنأى بنفسها عن تلك التحولات الجارية، حاضراً ومستقبلاً، خصوصاً الناعمة منها. والسبب ببساطة هو التقنيات الحديثة والإنترنت والشبكات الإجتماعية، وأثرها الكبير وما تتركه من انعكاسات جبارة، على تفكير وواقع الحياة المعاصرة، للإنسان المعاصر عموماً، مضافاً لآثار ما يعانيه الإنسان بشكلٍ عام من تحديات فوق هذه المعمورة حتى زماننا الحاضر.
إن نفس ذلك الجهاز الذي خافه الناس قبل سنواتٍ على أعراضهم بالأمس القريب، هو ذاته اليوم ونفسه، الوسيلة الهامة والسهلة والمفضلة المتاحة والمحبوبة والمرغوبة والمنقذة والمطورة للمجتمع الإنساني، ولسلوكه ولقوانينه الرسمية وغير الرسمية، والحامية لحقوق ولأعراض الناس في المجتمع، من مختلف تلك التجاوزات الكثيرة الحساسة، التي كان من الممكن أن تمر غالباً بسلامٍ مجهولة ومستورة في الماضي، وأن لا تنتشر ربما عادة إلا في أضيق دوائر الإنتشار، وأن يطالها الإنكار والتعتيم والتستر والجهل والتجاهل والإخفاء غالباً.
هذا هو واقع حال جوال "أبو كاميرة"، كما كان الناس يسمونه في الماضي القريب، الذي تطور ليرتبط بشكل فاعلٍ فيما بعد بالشبكة العنكبوتية، وليكون حلقة وصلٍ بين الجميع في أرجاء المعمورة. والذي إلتقط هذه المرة قصة #شاب_يتحرش_بطفلة كالزهرة الصغيرة التي لم تتفتح بعد، بل كالبادرة المسكينة البريئة التي لم تعتد على تقلبات الطقس، والتي لم تعي بعد مخاطر الحياة، وذلك أثناء عودتها من مدرستها لمنزلها مروراً بمصعد العمارة التي يبدو أنها وعائلتها تسكن فيها، حاملة معها شنطتها وأنواع أحلامها البريئة الصغيرة. وهي حادثة من الحوادث الكثيرة المستورة التي تكشف جوانب من مرارات وواقع المجتمع البشري وفعل الغرائز والشهوات والأهواء فيه.
وبالطبع، فلازلنا نتذكر بالتأكيد، حادثة تحرش أخرى وقعت قبل هذه الحادثة، وثقت هي أيضاً بالفيديو عبر كاميرة جوال، وانتشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي وعلى منصات الأجهزة الرقمية الحديثة. وكان ذلك الحدث في وضح النهار وأمام الجميع ودون حياء ولا خجل ولا خوف، وأمام أحد مجمعات المنطقة الشرقية المعروفة. فتحولت قضية التحرش تلك في حينه لقضية رأي عام، أثارت الناس في الفضاء الإلكتروني، المفعم بالحيوية والنشاط، الرحب بمكونات وكائناته، التي تندفع بشراسة الفطرة، وفاعلية ضميرها الإجتماعي، ووجدانها الإنساني، وتحركت ثم بعدها الجهات الرسمية، لتقوم بالواجب الملقى على عاتقها، كما هو مطلوب أمام الله وأمام الناس وأمام الجهات العليا، لتتسق جهود تلك الأجهزة في الزمن المعاصر، مع رضى الضمير الإجتماعي، ومتطلباته في هذا الزمان.
وفي هذه المرة أيضاً، في حادثة #طفلة_المصعد المسكينة، أستدعى انتشار وتداول هذا الفيديو لتلك الطفلة الصغيرة البريئة والمسكينة، لفت الأنظار وتحرك تلك الجهات الرسمية للقيام بواجباتها، وسيكون الجميع بالتأكيد ممتنين في حال أدت الأجهزة الرسمية واجباتها كما ينبغي، وسيشعر الجميع حينها بدفع معنوي كبير لشعورهم بالوطنية والمواطنة المبنية على حقيقة خدمة الأجهزة الرسمية للمجتمع ولأبناء المجتمع، كما هو مطلوب. وقد قامت الجهات الرسمية حتى هذه اللحظة، بالقبض على المطلوب، وهو شابٌ عشريني، له سوابق كما يذكر الخبر، والقضية في مسارها القانوني، كما نحسب.
وإذاً، فنحن الآن كجمهور مراقب، جزء من أجزاء وجهازٌ من أجهزة الدولة، بشكلٍ متصلٍ وفاعلٍ، غير معزولٍ كما كنا سابقاً، حيث يقوم الناس أو هذا الجزء الآن، بالرصد والمراقبة والمحاسبة والمطالبة والمتابعة والتقييم عن قربٍ أو عن بعد ...الخ. وهذا الواقع المعاصر تطلب كما يبدو خلال الفترة القليلة الماضية، أن تعقد الأجهزة الرسمية مؤتمراً صحفياً لبيان ملابسات حادثة الطفلة المسكينة لمى الروقي (رحمها الله). فالناس حاضرة الآن في كل مشاهد الحياة، وعند كل حدثٍ، بخيرها وشرها، وبالألسنة الحداد الشداد، وبالذكاء الجيد والسيء، وبتقييمات الناس السلبية والإيجابية معاً. وهو ما يحرك الجميع في النهاية للأمام، لتطوير السلوك والأداء الجماهيري والرسمي.
ولذا، فلم يغب هنا في هذه الحادثة الأخيرة، ذلك الزخم الرقمي الإلكتروني، من التوجيه والنقد الإيجابي، لمستوى التثقيف والحماية الأسرية والمجتمعية والرسمية التوعوية وغير التوعوية المتوفرة والمتاحة لصغار السن، وما هو مطلوب من الجميع حاضراً ومستقبلاً، كي لا تتكرر مثل هذه الحادثة المؤلمة، التي عبرت عن إنفلات غريزة مراهقة في مجتمع محافظ، قد يبحث فيه بعض مراهقي المجتمع، عن الحجر والمدر لإشباع شهوات وغرائز جامحة، توصد أمامها الأبواب، وتشعر ذوات أصحابها بفوضى وعجز وضعف في الرقابة الرسمية و/أو العامة، أو أن بعض تلك الذوات قد تقفز جانحة، في لحظات ضعفها وعجزها عن الإنضباط، أمام إرادة المجتمع وحقوق الآخرين ومتطلبات الإنسانية والعقلانية.
ولعل من الجيد هنا، أن نلقي حجراً في بركة تلك القنوات الفضائية المخصصة للأطفال، يحرك مياهها الراكدة. فلعل من الجيد أن تشارك هي أيضاً في الجهود المستقبلية المرتقبة للتوعية والتثقيف بأخطار وملابسات التحرش الجنسي، الذي قد يتعرض له الأطفال الصغار، وأن تقوم عبر برامجها، أو فواصلها الإعلانية أقلاً، بالتثقيف بشكلٍ مستمرٍ، ببعض أساليب الحماية والردع، وأن توجه الأطفال وصغار الناشئة للإبلاغ عن الإعتداء ... الخ. فهي بالطبع، من أقرب أدوات إيصال الثقافة والمعرفة والمعلومة والوعي، لهذه الشريحة من أبناء المجتمع البشري المعاصر.
لقد تطور العالم، وها نحن نتطور، والقاطرة تسير للأمام مسرعةً جداً، وفيها بشائر خيرٍ كثيرة، كما تعترض تلك القاطرة أيضاً، عقبات بعض الجهل والهرج والمرج الذي قد يربك حركة التحول والتطور التي تعيشها مجتمعاتنا لا قدر الله.
لذا، نسأل الله للجميع الهداية لرشدهم، ولهذا المجتمع ولأجهزته الرسمية، المزيد من التطور والقدرة على مواكبة العصر وشروطه ومتطلباته، وأن يحفظ الله السلم والأمن الإجتماعي للجميع، في ظل حوارات وحرية فكرية وإعلامية وتقنية ورقمية إيجابية وبناءة ... ودام هذا الوطن في تطورٍ ودام الجميع بألف خيرً.