موجة تكاد تغرقنا !
بين الحين والآخر تجدد الأفكار وتتغير القناعات وتتبدل الرؤى.
ولا شك أن حدوث ذلك حالة طبيعية جدا جدا، فالإنسان بطبيعته يتأثر ويؤثر بعوامل عدة تساهم في تبنيه أو نشره لتلك الأفكار.
بناء على ذلك نلحظ تغلغل أفكار جديدة كل فترة إلى المجتمعات وليس بالضرورة أن تكون هذه الأفكار جديدة من حيث الولادة.
كذلك هو الحال بالنسبة لمجتمعاتنا فهي تعيش نفس هذه الحالة بل إنها أقرب ما تكون إلى حالة شبه يومية، وغالبا ما يكون الأكثر تأثرا بالأفكار الحديثة أو المستحدثة هي فئة الناشئة وذلك قد يرجع إلى قابليتهم على التأقلم والتكيف وحبهم للتجدد، ورغبتهم في الهرب من الروتين الفكري الكئيب، على عكس من يتقدم بهم العمر فهم غالبا – وليس دائما – لا يستحسنون التغيير ويجدونه صعبا جدا عليهم.
نلاحظ في هذه الأيام على مواقع التواصل الإجتماعي خصوصا تويتر انتشار "موجة إلحادية" بين الشباب تنتقد المقدسات والتعاليم الإسلامية وحتى الذات الإلهية بشكل ساخر ومخزي جدا، وهذه الموجة إنما تعبر عن واقع حقيقي خفي خارج أسوار الشبكة العنكبوتية، ولابد أن يكون هناك أسباب أدت إلى ولوج مثل هذه الأفكار في مجتمعات على درجة كبيرة من التحفظ خصوصا فيما يتعلق بالأفكار التي تتصل بالدين.
يقع الفهم الخاطئ للدين في مقدمة الأسباب المؤدية لانتشار الإلحاد بين الشباب، ذلك أن تصوير الدين وقولبته على أنه مجموعة من القيود التي تعيق تقدم الإنسان الثقافي والاجتماعي والإنساني بشكل خاص ينفر بشدة من دائرة الدين والتدين، فهذا التصوير يعارض الفطرة البشرية تماما ويعكس المعادلة 180 درجة فالدين يجب أن يكون الدافع الأكبر للتقدم في كافة المجالات المختلفة وليس العكس؛ لذلك لا يجب أن نتعجب من انتشار مثل هذه الأفكار والمعتقدات بل هي من رأيي ردة فعل طبيعية لكل من يعيش مثل هذا الضغط النفسي والاجتماعي.
كما يساهم كل من الصراعات والمهاترات التي " لا طائل منها " بين التيارات الدينية أيضا بدور كبير ومحسوس في زيادة هذه الظاهرة حيث أنها مجرد نزاعات بعيدة كل البعد عن الموضوعية والأسلوب النقدي السوي لتركيزها بشكل كبير جدا على الشخصنة وإهمالها مضمون الأفكار الأساسي لذلك فإنها عامل سلبي جدا ويؤثر بشكل واضح على قناعات الشباب ويجعلهم يبحثون عن بيئة فكرية خالية من الصراعات ومليئة بالسلام والإستقرار.
وإنه كذلك لغياب القاعدة والركيزة العقائدية المتينة لدى الناشئة تأثير كبير ومحفز لتبني الأفكار الهدامة، وعليه نعرف أنه يقع على عاتق العلماء تحصين المجتمع وبناء الحصون الفكرية ضد مثل هذه الأفكار المضللة، ونحن لا نقول فقط أن هنالك تقصير في هذا الجانب بل نؤكد أيضا على أننا نحتاج إلى مبادرات واضحة.
لا نغفل أيضا عن جانب ضروري ألا وهو زيادة مستوى الوعي الثقافي لدينا جميعا، وذلك يتحقق من خلال آليات عديدة في مقدمتها القراءة والمطالعة، فالعزوف عن القراءة والثقافة يشكّل آفة عظيمة نجهل مخاطرها ونتغافل عن المشكلات العديدة التي يسفر عنها هذا العزوف كتدني مستوى الحوار لدينا وتهميش بعضنا البعض ونقص الوعي الفكري في مقابل ما ينتج من أفكار جديدة.
هذه الطامة الخفيّة تحتاج إلى دراسة حقيقة ومعالجة جدية، لذلك أدعو كافة شرائح المجتمع الفكرية والدينية من كتّاب ومثقفين وخطباء حسينين إلى الإلتفات إلى هذه المشكلة التي تتفاقم في الخفاء كالخلايا السرطانية، وأدعوهم إلى احتضان الشباب واستثمار طاقاتهم ومواهبهم العظيمة كي لا تذهب هدرا، وكي لا يسيروا في طرق الأفكار المظلمة والسوداوية "كالإلحاد"، وأدعوهم أيضا إلى الانصاف والموضوعية في الطرح وعدم إقصاء ونسف الآخر!! بالخصوص في قضايا الدين،، فقد كلّلنا وتعبنا من مشاهدة المواجهات والحروب على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أظن أنه من الأنسب أن نسميها الآن وسائل التصارع الإجتماعي !!