الديمقراطية التي لا تأتي (1)
تحولت أوروبا الشرقية نحو الديمقراطية في زمن قصير وبتكلفة معقولة نسبيا.
وعلى عكس الربيع الأوروبي كان الربيع العربي حيث النتيجة حتى الآن (لم ينجح أحد) برغم التضحيات الجسام التي بُذلت في سبيل التحول وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
فهل نحن العرب استثناء تاريخي يستعصي على التغيير؟ أم إننا لم ننجز بعدُ الشروط الموضوعية للتحول، وكما يقولون: إذا فُقد الشرط فُقد المشروط؟
الكثير من المقالات والأبحاث والكتب تطرقت لهذا الموضوع الذي أصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس، وحاولت أن تقدم تفسيرات مقنعة لما نحن فيه من عقم يعجز أن ينجب الديمقراطية، وتقترح في الوقت نفسه ما تراه الوصفة المناسبة لعلاج حالة العقم هذه.
تحت عنوان (الديمقراطية عصية عربيا) كتب عمر العمر في جريدة البيان الإماراتية بتاريخ 13 فبراير 2013 يقول: بعد حولين على الثورة الباسلة في تونس، مصر، ليبيا واليمن، لا تزال شعوبها عند مفترق الطرق نفسه، لا ظهراً أبقت ولا درباً قطعت.
الشعوب استبدلت ماكينات استبداد صدئة، بأخرى عتيقة شائخة. الوجوه على المشهد تغيرت، لكن النص المسرحي لا يزال على حاله. الأدمغة البديلة لم تفرز واقعاً جديداً.
وقريبا من هذا العنوان، وقبله بسنوات، وبالتحديد في عام 2008 نشر الدكتور باقر سلمان النجار، أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين كتابه القيم: الديمقراطية العصية في الخليج العربي.
انتهى الدكتور النجار في الفصل العاشر والأخير من الكتاب/البحث إلى خلاصة اختزلها بكثافة في عنوان الفصل ذاته الذي صاغه هكذا: (الكلمة الأخيرة: افتحوا نفوسكم قبل أبوابكم للديمقراطية).
فالمشكلة كما تقول الخلاصة نفسية اجتماعية قبل أن تكون سياسية، وما لم تتقبل الناس الديمقراطية كآلية لإدارة شؤونها في مجالها العام وتقبل بنتائجها فإن الواقع لن يتغير، بل سيفرز نتائج تشبهه تماما، ظاهرها الديمقراطية وباطنها نقيضها.
وبحسب تعبير الدكتور النجار: "إن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا عندما يتحول الوطن والوعي به على أنه وطن لكل الناس، وأن الدولة شأن عام يخص كل الناس فلهم فيها حق وعليها واجب، وأن مساءلتها وتقويمها وتدوير مراكزها، ومراكز تنظيماتها واجبة لا مستحبة، بل إنها إحدى الضرورات المعاصرة.
فالداخلون إلى العصر هم فقط من يعون التاريخ ويعملون بأسبابه، أما الخارجون من العصر والتاريخ فهم أولئك الذين لم يعوا أسبابه أو لم يأخذوا بها".
وغير بعيد عن ذلك ما ذهب إليه الأستاذ هاشم صالح في كتابه ( الانسداد التاريخي؛ لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟ ) والذي صدر عام 2007 حيث أفرد عنوانا انسداديا طويلا لأحد مقالات الكتاب يؤكد على نفس القضية.
والعنوان هو: (هل حقا أن العالم العربي والإسلامي يستعصي على الديمقراطية والحداثة السياسية؟
مثال آخر على الانسداد التاريخي)، عبر فيه آنذاك عن حيرة شديدة أثبتت الأيام صدقها، حين قال: القواعد الشعبية أصبحت كلها تقريبا في جهة زعماء الطوائف والعشائر في وقت تدلهم فيه الأمور وتلوح المخاطر العظمى في الأفق.
ولهذا السبب فإني أقولها بالفم الملآن: نعم إني قلق على المستقبل، قلق إذا تغيرت الأمور، وقلق إذا لم تتغير!...