منسيون
جالت نظرات ذلك الشاب التعس بين مشاهدة ذلك الطير و ذاك ، متذكراً أياماً كان طعم الحياة فيها حلو المذاق و شيء ملكه أمراً مسلماً به ، حتى أتى ذلك اليوم المشئوم و الملعون ، أغمض عبدالله عينيه متذكراً و هو متكدر البال ، فجر ذلك اليوم الذي كانت سمائه خالية من السحب و هوائه يبعث في الجسم دفئ أحضان الأمهات الذي يحن إليه كل جزء منه بل كل خلاياه .
في يوم الثلاثاء أو كما تتذكره ذاكرته المعطوبة من أثر السنين عليها ، استيقظ أهل البيت على صوت طرقٍ معتدل و لكن ليس بالمهذب فمن ذا يطرق الباب بعد ظهور أول خيوط الصباح ، و طبعا من ضيق البيت استيقظ كل أهل البيت ، فتح أخوه ذو العقدين الباب كالعادة و الذي كان هو الصغير بالعائلة بعد أن أفلت عبدالله منها بولادته قبله بعام كامل ، كانت الطارق هو طفلة صغيرة جميلة تحمل بيت كفيها الصغيرتين ورقة ملفوفة بشكل اسطواني - و كأنها من عصورٌ مضت - و في محورها وردة بيضاء مائل قلبها للحمرة الخفيفة.
علامات الإستفهام و الإستعجاب عن و من الطفلة كانت كبيرة بعد أن سلّمت الرسالة و ودعتهم بالقول: إنني لست سوى مبلغ و رسول لا علاقة لي بما في يدي .
بادر أخي بفتح الرسالة ليوقفه أبي بالصراخ متذمراً بقوله أنه هو المسؤول عن فتح كل الرسائل و ليس رسائل الحكومة المطالبة باستحقاق الخدمات فقط ، فكّ الخيط المربوط بالورقة و الذي من السهولة استنتاج أنه قد ربط بعجلةٍ أو بإهمالٍ شديد، أمسك والدي بجانب من الورقة لينزل الباقي بأطراف أصابع يده الأخرى ، أخذ في القراءة ، و ما لاحظه الكل أن جسده قد أخذ بالتحدث بحركاته ، فعيونه أخذت في الإتساع أما أصابع يده فقد أخذت في الضغط على الورقة بشدة و كأنها ممسكة بعدو مستعدة لإنزال أشد الأذى و العذاب .
استلم عبدالله الرسالة بعد أن أعلن أباه مرتبكاً بانها لا تمت له بصلة، بدأ يقرأ محتواها و لكن كانت ملامح وجهه غامضة و كأنه لم يفهم شيئ مما كتب .
وجه عبدالله الاوأمر لأخيه بقوله: أجري ، علك تجد الفتاة فتأتني بها ، أما هو فعاد لقراءة ما بيده من جديد و لكن بصوتٍ مسموع عله يفهمه، فقرأ :
أنت يا من تقرأ رسالتي هذه أحب أن تلقي بقبلة في قلب رسالتي حين انتهائك منها لا لشيء و لكن لربما أحس بها و تطفئ ما بداخلي من لهبٍ و جمر.
الرسالة ليست شخصية و ليست لك انت بالتحديد و إنما ... لكل انسانٍ محروم .
اعتبرني أيا كان ما تريد "مجهول" ولكن ثق أن هناك دائماً المزيد مني ، أنا محبٌ لناس و كارهُ لبعضهم ، ذكيًا لأحيان و غبي لحين ، أنا منسي لا أحد يتذكر وجودي إلا ما ندر للحظات غبائي لا أحسد عليها ، أنا منسي ألا من صور التقطتها لنفسي ، بل وحتى وكأني بخيالي يبطئ من حركته علّ الطبيعة تخلي عنه و تستدعيه لامريءٍ أهم و أعلى شأناً مني ، لا أعلم ما الذي أحالني للحال هذا أهو الحب ؟ و أي حب ، أأروح عن حالي بطرفٍ لا تضحك ، أم يا ترى هو جنون ؟ لا، أعلم أني أطلت عليك و لكن دعني أعلمك لماذا .
لقد حرمت من حق الحياة ، و الحرية ، التنفس ، العبادة ، و حتى التعرق ، ماذا أفعل غير أن ..أن أطالب بها أو لئلا أكون جشعاً و أطالب بالكل ، أريد حق التنفس فقط لأعيش و لكن لا أمل ، فما أن فتحت فمي الملعون حتى أمسكتْ بي العيون و الأصابع و حتى السهام دفعة واحدة فما أستطعت المقاومة ، أنا في ظلام ، أنا في أكتئابٍ فاجمع شتات روحي و روح الكل و أعد حياكة خيوطنا الصوفية المبعثرة ، لا تساعدني بل أنقذ نفسك فأنت أمل نفسك و خلاصها لست مميزاً و لكنك أنسان لك حقوق وهي ما تجعلك ما أنت عليه .. إنسان .
أنهى عبدالله الرسالة المهترئة و بكى بلا دموع في هدوء ، لولا قرع باب عنيفٍ يكاد يكسر الباب ، فتح عبدالله الباب و هو ممسكاً بالرسالة ليرى صاحب البيت الذي ملّ من المطالبة بالأجر مصطحباً معه أحد رجال الشرطة ليوقع أثر الخوف فيه ، سأل رجل الشرطة إياه :هل ستعطي هذا الرجل حقه أم لا ؟ ، أجابه بصوت ملأه الذّل: و من أين لي بالنقود ، لا شيء لدي لأعطيه ، نظر الشرطي له وقال : إذا لا حق لك بالعيش هنا ، أخرج أنت و من معك ، أجابه :أنا لا اريد العيش هنا فقط أنا أريد الحرية ، أريد التنفس ،فاذهب من هنا و لا تخنقني .
نظر الشرطي اليه و قال : أحقا تريدها ؟ ، بعد أن أجابه بالإيجاب ضحك من كان بالباب بشكل خفيف و قال : أهلا بك في عالم الخفاء ، أهلا بك ، تعال معي و ،سأعلمك الحرية بالمعنى الصحيح ، كما و سألمح لك بمستقبلك علّك تفهم ، أسمعت يوماً بالمنسيين من قبل ؟؟