يموتون قبل أوان الحصاد (2)
موسم الحصاد لا يأتي اعتباطا. إنه نتيجة لتراكم سلسلة من الأعمال الجادة المتواصلة، والتي ربما تمتد أحيانا لسنوات كما في بعض الأشجار كالنخيل. ويحدث أحيانا أن يتأخر موسم الحصاد بسبب ظروف خارجية لم تكن في الحسبان، أو بسبب انقطاع التواصل مع سلسلة الأعمال السابقة، وإهمال ما غرسته من بذور، وسقته من جهدها وعرقها وعمرها، ورحلت عنه قبل قطف الثمار.
يتحدث السيد علي السيد باقر العوامي في كتابه (الحركة الوطنية السعودية) 1953-1973 عن مقال كتبه في أوائل الستينات الميلادية، بعد إعلان الأمير فيصل (في حينها) عن تشكيل وزارته في 31/10/1962م، والتي تضمن برنامجها نقاطا عشرا كان على رأسها إصدار نظام أساسي للحكم وتكوين مجلس للشورى. يذكر إن مما جاء في المقال: ولكي تكون خطواتنا نحو التطور الدستوري خطوات سليمة، وقانونية، فإني أقترح أن يجري انتخاب جمعية تأسيسية من كل المناطق، ويُضم إليها – ولو بالتعيين – عدد من الخبراء القانونيين، ولو من خارج البلاد – إذا لم يتوفر أحد من الداخل – ويناط بهذه الجمعية وضع نظام أساسي للحكم، دستور، ونظام للمجلس الوطني، أو النياب – البرلمان، أو مجلس الشورى – أيا كان اسم هذا المجلس – ونظام المقاطعات، أو المناطق، ونظام الانتخابات، وبعد إقرار كل هذه القوانين والأنظمة من قبل الملك يجري حل هذه الجمعية، وينتخب مجلس وطني حسب ما جاء في هذه الأنظمة، وتأخذ بذلك البلاد سيرها الدستوري.
السيد علي العوامي هو بلا شك رجل وطني مخلص، كتب مقاله وعينه على الوطن ووحدته واستقراره واستمرار تنميته. ولم يكن الوحيد ممن كتب في هذا الشأن في ذلك الوقت، فقد كتب مثلا الأستاذ عزيز ضياء، ورئيس تحرير صحيفة الندوة في حينه الأستاذ صالح محمد جمال، والأستاذ محمد سعيد طيب وآخرون.
ومن الجيد هنا أن نقتطف شيئا من مقال الأستاذ محمد سعيد طيب الذي كان عنوانه: لنبدأ التجربة من جديد، والذي تم نشره في صحيفة الندوة بتاريخ 17 فبراير 1963 . يقول الأستاذ طيب متحدثا عن مجلس الشورى الذي كان ضمن برنامج وزارة الأمير فيصل: وأرى أن نبدأ بالتجربة الانتخابية الأولى – من غير إبطاء – وليس ثمة داع للتعيين، مهما كانت صوره وأشكاله، ومهما بلغت اشتراطاته وضماناته ومستوياته.
نعود إلى مقال السيد العوامي، فقد كتبه ولم يتوقع أن يتعرض بعد ذلك للتحقيق والسؤال: كيف تطالب بوضع دستور؟ ألا تعلم أن لدينا دستورا مقدسا هو القرآن؟ أليس هذا دليلا على انحرافك، وشيوعيتك؟
يقول السيد العوامي: كانت هذه أول مرة يرد في التحقيق اتهامي بالشيوعية، وضحكت – في سري – من هذا السؤال، وقلت للضابط: " هل أن رئيس مجلس الوزراء – أعني به الأمير فيصلا – لما وعد بوضع دستور، وكلف لجنة تقوم بصياغته لا يعلم، أو نسي أن عندنا دستورا مقدسا هو القرآن؟". ثم قلت له: " أنا لم آت بجديد من عندي، والمطالبة بالدستور لم أبتدعها أنا، وكل ما فعلته أنا هو أنني ناقشت خطة تنفيذ فكرة وضعها رئيس مجلس الوزراء".
تأخر كما هو معروف صدور النظام الأساسي للحكم ثلاثين عاما، حيث صدر في العام 1992 م، وهو اليوم بحاجة إلى تطوير كما دعا لذلك الدكتور توفيق السيف في مقالة بجريدة الاقتصادية بتاريخ 30/10/2012 بعنوان: 20 عاما من التجربة، حيث يرى الحاجة "إلى التوسع في النص على الحريات العامة والحقوق المدنية والأدوات القانونية اللازمة لضمانها. كما أننا في حاجة إلى التأكيد على سيادة القانون وخضوع الجميع - كبار موظفي الدولة مثل عامة المواطنين - للقانون في تعاملاتهم والعلاقة بينهم".