تنظيم العمل التطوعي، تحدي الجيل الحاضر (*)
يعد مجتمعنا من المجتمعات الفاعلة بشكل ملحوظ من حيث مستوى النشاط التطوعي فيه مقارنة مع المجتمعات المحيطة التي ما زال بعضها يكافح في مرحلة إنشاء مشاريع تطوعية تلبي أَمَسَّ احتياجاته العامة، لكننا حاليًا نمر بمرحلة تحول حرجة في مسار نشاطاتنا ومشاريعنا التطوعية بدأت بوادرها بالظهور في الأعوام القليلة الماضية.
مرحلة التحول لا تعني بالضرورة انحسار العمل التطوعي، بل تعتمد نتائجها على استعدادنا لخوض غمار تحدياتها، فقد تؤدي لتوسع وتسارع العمل التطوعي وقد تقود لانحساره وضعفه لمدة من الزمن. ولهذا السبب فإنني أعتقد أن تحدي الجيل الحالي هو في (تنظيم العمل التطوعي بشكل احترافي) وهو بالضبط ما ينقص مشاريعنا التطوعية وهو ما قد يصيبها في مقتل حسب ملاحظتي وتتبعي للعمل التطوعي من خلال تجربتي المتواضعة فيه خلال الـ 12 عامًا الأخيرة، وعلى ضوء النظريات الحديثة التي عهدتها أثناء دراستي لـ "إدارة الموارد البشرية".
فمن انعكاسات ضعف تنظيم وإدارة
العمل التطوعي في مجتمعنا:- عشوائية كبيرة وتخبط في العمل والقرارات نتيجة عدم التخطيط، وعدم وجود جهات استشارية للمتطوع ولإدارات المنظمات التطوعية - من جمعيات، ولجان، ومؤسسات، ومجموعات، وفرق، وهيئات، إلخ- .
- نقص حاد في عدد ونوعية المتطوعين لغياب ثقافة العمل التطوعي في تعليمنا وأسرنا ونشاطنا الثقافي، ولعزوف أصحاب الكفاءات، وتهميش ذوي الطاقات، فأضحت قلة الموارد البشرية –المتطوعين- مشكلة تثقل كاهل أغلب المنظمات التطوعية وتؤرق إداراتها التي لا تجد في كثير من الأحيان بدًّا من تحميل أعضائها فوق طاقاتهم أو "توظيف" مَن يسد نقص المتطوعين وهو ما لم يكن يتوقعه أكثر العاملين حتى في أسوأ كوابيسهم عندما وصل العمل التطوعي ذروته.
- تضييع الكثير من الجهد والوقت والمال نتجية لعدم الحِرَفية، والتكرار في غير محله مما يؤدي لضعف في النتائج –نسبيًّا- كمًّا وكيفًا بالمقارنة مع القدر الهائل من الطاقات والإمكانات التي يمكن استغلالها بشكل أفضل بكثير.
- إحباط الكثيرين من الانخراط أو الاستمرار في العمل التطوعي.
- عدم احتضان المجتمع للعمل التطوعي نتيجة لقتل الكثير من إيجابياته بمرور الزمن، وانقلاب بعض إيجابياته إلى نقيضها. ونفور المجتمع يؤدي بالتالي إلى قلة الموارد المادية، والدعم المعنوي، والإمداد الفكري، بالإضافة لما ذكرناه من عزوف عن التطوع بالجهد والوقت.
الحل: تحويل مشاريعنا إلى "منظمات مجتمع مدني":
من أسرار الدول والمجتمعات المتقدمة هو "التنظيم"، فترى التنظيم في جميع المجالات وفي أدق التفاصيل، فإذا أردنا تطوير مجتمعنا، فإنه يتوجب علينا تنظيم العمل التطوعي وتعزيز ثقافة "منظمات المجتمع المدني"(1)، فالمشاريع التي تدار بطرق بدائية، وتعتمد على الفردية في أكثر تفاصيلها، وتتجمد أو تموت حتى بعد بضع سنوات من تأسيسها لم تعد مجدية في عالم اليوم، ولا منجى لها إلا بالتحول إلى منظمات قوية في بنيتها الداخلية وعلاقاتها.
وهذا التحول الإستراتيجي يقع على عاتق الشباب قبل غيرهم، فكما أن العالم تطور، فإن شبابنا كذلك قد تطوروا من حيث توفر تعليم أفضل، وابتعاث للدراسة في الدول المتقدمة، ووسائل اتصال حديثة جعلت من الحصول على أي معلومة تقريبًا أمرًا متاحًا لكل من يهتدي إليها سبيلاً،كما جعلت من تبادل المعلومات مع مجاميع كبيرة من البشر أمرًا ميسورًا للغاية.
ومن الأمثلة الحية على فعالية تنظيم العمل التطوعي في النهوض بالمجتمعات، هذه الإحصائية الرسمية لنشاط منظمات العمل التطوعي في الولايات المتحدة لعام 2011م:
1.57 مليون منظمة.
64.3 مليون متطوع (أكثر من 40 متطوع لكل منظمة، بواقع 3.28 مليار ساعة تطوع !!).
29.9% من النساء تطوعن وتطوع 23.5% من الرجال، وكان المتطوعون من الفئة العمرية (35 – 54 سنة) أكثر من الذين لا يزالون في العشرينيات من أعمارهم! كما كان المتطوعون من المتزوجين (حتى مع وجود الأبناء) أكثر من غير المتزوجين! وكان المتطوعون الموظفون أكثر من المتطوعين العاطلين عن العمل.
41.9% من المتطوعين تطوعوا بطلب من المنظمات، بينما 41.6% بادروا ذاتيًا للتطوع. (2)
خلال عام 2009 فقط، بلغت التبرعات لمنظمات العمل التطوعي 290.89 مليار دولار، 73% تقريبًا منها عبارة عن تبرعات من أفراد. (3)
نوعان من التنظيم:
1) التنظيم كل مشروع «بحد ذاته» = منظمات.
ليست كل مجموعة تجمتع على العمل لأجل هدف مشترك هي "منظمة"، فلا بد من اجتماع مكونات تعريف المنظمة –كما يظهر في الهامش- ومن أهمها: العمل الممنهج والمستمر. مجتمعنا يحتاج إلى مبادرات شبابية لتنظيم كل مشروع «بحد ذاته»، وهذا يطور من عملنا التطوعي كثيرًا، ويفتح لنا الطريق لمواكبة العصر.
2) تنظيم «مجموع» النشاط التطوعي = مجتمع مدني منظم.
مجتمعنا يحتاج أيضا إلى مبادرة شبابية شجاعة لتأسيس مركز يهتم بإدارة وتنظيم "مجموع" العمل التطوعي حيث يقوم بتنظيم علاقة المنظمات فيما بينها لينقلها من حالة الجزر المتفرقة التي تعيش كل واحدة منها في محيط منعزل حاليًا ليصنع منها منظومة متكاملة تستفيد من بعضها البعض، ويقوم أيضًا بتنظيم علاقة المنظمات مع المجتمع، بالإضافة إلى سد الثغرات الإدارية.
وهذا النوع يجعلنا في عداد المجتمعات المتقدمة في العمل التطوعي، كمأ أن هذا النوع لا يفيد المجتمع فقط بل المنظمات لها المصالح الكبرى فيه أولاً وقبل كل شيء.
كيف نحول أعمالنا التطوعية إلى "منظمات" ؟
وسيلة العمل المنظم |
الطموح |
الواقع غير المنظم |
تحديد «الرؤية»، «الرسالة»، «الأهداف الإستراتيجية»، و«الخطط السنوية» |
أولويات محددة ومرتبة (4)رؤية واضحة ومرنة خارطة مستقبلية |
ارتجالية في العمل |
وضوح الأدوار والالتزام بتوزيعها وتدويرها بالتوافق |
مساواة بين جميع الأعضاء |
تفرد |
دستور واضح مكتوب متفق عليه « مرجعية العمل» |
مبدئية لا تخبط |
تناقض مواقف غموض في الإدارة واتخاذ القرارات |
|
مشاركة الجميع |
فئوية لدوافع أو ضغوط اجتماعية |
لجان مالية ملكية المنظمة لجميع الموارد والممتلكات |
موارد جارية |
شح الموارد المالية |
برامج استقطاب واسع وممنهج توظيف مؤقت أو دائم |
عدد كافي من السواعد التنفيذية والعقول الإدارية |
قلة عدد العاملين وعدم تقدير جهودهم |
تدريب وتطوير مستمر |
عاملون محترفون تبنّي إنتاج طاقات جديدة |
ضعف نوعية كثير من العاملين الوقوف عند حد القدرات المتوفرة |
استراتيجيات نقل المعرفة والخبرات |
الاحتفاظ بالخبرات المكتسبة حتى بعد رحيل أصحابها عن المنظمة |
خسارة الخبرات عند فقد الأعضاء الفاعلين |
تواصل مع المؤسسات المشابهة |
الاستفادة من جميع الخبرات المتاحة |
الاقتصار على إدراك وخبرات العاملين والمقربين و «المتبرعين» |
مأسسة وإنتاج منظمات متفرعة عن المنظمة الأم |
الاستمرارية والتوسع |
نشاط متذبذب ومحدود زمنيًا |
إعلام |
الانفتاح على المجتمع للاستفادة والإفادة |
جهود مجهولة |
نتوقف هنا، لنتابع الحديث حول آلية تطبيق النوع الثاني من التنظيم -وهو الأهم- للمقال القادم - بعون الله- بعنوان:
"مشروع «مركز العمل التطوعي» لإسناد المنظمات التطوعية".