نظام التحطيم المستمر ... دليل فشل الوزارة
من أفشل الأنظمة التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم، نظام (التقويم المستمر). كانت هذه قناعتي منذ أول عامٍ طبق فيه هذا النظام من قبل وزارة (المعارف) في حينه، ولازالت قناعتي كما هي عليه حتى هذا العام.
وأنا أعتقد أن كل المعلمين وأولياء الأمور يدركون هذه الحقيقة الماثل في فشل هذا النظام بنسبة ما، أو على أقل تقدير فمعظمهم لديهم تصور عن وجود عيوب في هذه الآلية. وما أستغربه هنا، هو استمرار تطبيق هذا النظام رغم ذلك كله على أبنائنا الطلاب لسنوات طويلة، رغم وجود عيوب خطيرة في آليات وملامح تطبيق هذا النظام، إن لم يكن في جوهره وجذوره أساساً، واستمرار صمت الجميع على تطبيقه وعدم مطالبتهم المسؤولين في وزارة التربية بشكل صارخ وواضح بإلغائه أو تصحيحه وبالعودة بنا لآلية مناسبة يعتمد فيها رصد درجات الطلاب وتحديد مستوياتهم ومقارنة ذلك مع مستويات بقية زملائهم، كي يتجه الجميع باتجاه التنافس والعطاء، وذلك رغم إعطاء فرصة أكثر من اللازمة والكافية لتجربته وتطبيقه واكتشاف عيوب هذا النظام، وهذا طبعاً من أعمارنا وأعمار أبنائنا الطلاب جميعاً. أو ربما كان السبب هنا في استمرار هذا النظام، هو استمرار الوزارة في الأصح، في صم آذانها عن النداءات الكثيرة المرتفعة الموجهة لها من قبل كل المنادين لها بالتصحيح، وليس صمت الآخرين أمامها.
وهنا في خضم سيل الانتقادات، فإن جل ما كانت ولا زالت تسعى إليه الوزارة بخصوص هذا النظام الفاشل، الذي اعترفت الوزارة بفشله مؤخراً، هو ترقيعة فقط لا غير، وذلك قديماً عبر إضافة الاختبارات التحريرية التقويمية القصيرة لنظام التقويم المستمر ربما كتعزيز لمهارات الكتابة والقراءة المظلومة عبر هذا النظام، وحالياً عبر التوجه لتطبيق منصة تقويمية جديدة تبدو هزيلة، تتحدث الوزارة عنها تحت مسمى (حسن)، ولا يبدو أنها حسنة واقعاً، ولا يبدو أنها مما يمكن أن يخرج الوزارة من مآزقها السابقة، عبر الترقيع الصحي والمناسب.
ومن باب البحث عن إيجابيات، إن كانت موجودة أصلاً، فلعل الحسنة الوحيدة لنظام التقويم المستمر هذا المطبق حتى الآن، والتي ربما سوغت للكثيرين من أبناء الوطن، قبول النظام والترحيب به والصمت عن عيوبه الخطيرة على مستقبل الطلاب، إن صح هذا الصمت، هي أن الجميع في هذا النظام (ناجح) ومستفيد دون استثناء تقريباً، حتى نهاية المرحلة الابتدائية. فلا أحد من أولياء أمور الطلاب في المرحلة الابتدائية التأسيسية الهامة والحساسة، يعاني هنا من أية ضغوط نفسية متعلقة بالرسوب والامتحانات والإخفاق. لأن الرسوب في هذا النظام واقعاً عسير ومشروط بعقد كثيرة "دونها خرق القتاد" كما يقولون - جعلت النجاح في بعض الحالات وفي بعض المدارس، بل وفي بعض المواد التقييمية حتى في المرحلة المتوسطة، يطال حتى من قد تم شطب أسمائهم من السجلات الحقيقية لتلك المدارس - ، وهذا خلص أولياء الأمور بالفعل من قلق الاختبارات الكبير، ومن شبح الإخفاق والرسوب المرعب، الذي كان جاثماً على الصدور، وكان يطارد الطلاب المخفقين وأولياء أمورهم في الأنظمة القديمة، خصوصاً في أيام اختبارات نهاية العام. فهنا اليوم يتعسر فعلاً تطبيق الرسوب حالياً إلا على حالات نادرة جداً من الطلاب، في ظل الظروف والأنظمة المتراخية والمترهلة الحديثة. وهذه الميزة إن كانت حسنة ومقبولة، فلن تكون كذلك إلا بالنسبة لطلاب السنوات الثلاث الأولى في المرحلة الابتدائية، الذين فعلاً يستحقون نوعاً من هذه الرأفة والرحمة، التي لا تصلح لأن تكون نظاماً يشمل المرحلة الابتدائية التأسيسية برمتها.
وفي المقابل أو في الجهة الأخرى، فإن أسوء عيوب هذا النظام - وهو العامل والجانب الأهم الذي لازالت الوزارة مصرة على تجاهله وتغييبه وعدم النظر فيه - وهو أهم ما يجب ذكره هنا بوضوح، فهو: إلغاء الوزارة عبر نظام التقويم المستمر هذا، لتمايز الطلاب (الذي كان حاضراً في النظام القديم، عبر الاختبارات ورصد الدرجات)، وعدم قدرة أحد حالياً على فرز الطلاب بشكل نهائي واقعي بناء على مستوياتهم الحقيقية، بل الخلط واردٌ بين الجميع، وليس فقط بين البليد والمتوسط أو المتوسط والممتاز، وهو حاصلٌ فعلاً ومشهود حالياً، مما أثر هنا بشكل سلبي على الجميع، وعلى أدائهم داخل الفصل وخارجه، وخلق تثبيطاً معنوياً، خصوصاً بالنسبة للمتفوقين من الطلاب، حيث أن تغييب نظام الدرجات هذا عنى ويعني تحديداً (إلغاء الحافز للتفوق والاجتهاد من جذوره)، وخلق الأجواء المناسبة والملائمة للتحطيم والإهمال وبخس الكفاءات حقها من التقدير، وعدم تشخيص وتحديد الإهمال وجوانبه بدقة كذلك، فالجميع هنا البليد والمتوسط والممتاز، يحصلون على النتيجة (1)، ولن تجد أحداً ممن يستطيع التمييز بين هؤلاء الطلاب وتنوعهم بسهولة، إلا ربما واقعاً بعض المخلصين من المعلمين، الذين قد يحفزون باهتمامهم وجديتهم وحرصهم اجتهاد طلابهم المتميزين، عبر الاهتمام والتشخيص الذاتي والتقدير والفرز المناسب البعيد عن آليات النظام، والذين مع هذا قد يعطون أراء عائمة أيضاً وضبابية تتفاوت بشدة بين معلم وآخر، بسبب غياب الدرجات والتقدير الإجمالي، أو بتعبيرٍ آخر عبر غياب المجموع الكلي للدرجات في مختلف المواد في النهاية. ومن السيء جداً، أن نعتمد هنا على جهود وفرز الأفراد من المعلمين وأولياء أمورهم، لا على الآليات والنظام المقنن.
هنا في هذا النظام، لا يوجد حالياً طالبٌ أول على فصله ولا ثاني ... ولا عاشر ... الخ، ويصعب تحديد ذلك. وكذا فلا يوجد طالبٌ أول على مدرسته ولا ثاني ولا ثالث ... الخ. والطالب الناجح يأتي والده بنتيجة (1)، سواء كان هو الأول على دفعته أو الأخير أو "أخو التوش" كما يقولون. وربما أيضاً حتى من يكون أحياناً فعلياً طالباً مخفقاً وفاشلاً دراسياً، نجح بسبب ركاكة وضعف هذا النظام الفاشل فقط، فهو يأتي بنفس النتيجة أيضاً. وفي النهاية فليس أمام ولي الأمر هنا، إلا الابتهاج والفرح بالنتيجة الهزيلة، وانتهى الأمر. حتى لو كان ابنه على حافة الفشل والإخفاق والدمار، الذي قد لا يلحظه بتاتاً في زحمة هذه الحياة، عبر سنوات المرحلة الابتدائية المصيرية، في ظل الوضع الراهن، وفي ظل غياب النظام المناسب للفرز والتقييم. وكذا ولي أمر الطالب المجد والمجتهد، فليس أمامه فرص أخرى كثيرة مختلفة كثيراً عن فرصة الأب الأول، ليفرح كثيراً ويبتهج ويكافئ بشكل مناسب ابنه المجتهد ... فالأمور "ساااا يبه".
وليت الوزارة، بدل هذه التخبطات العمياء لسنوات عجاف طوال، صرفت جهودها وأموالها في خلق المزيد من الدوافع والحوافز للطلاب والطالبات، لدفعهم وتشجيعهم للإقبال على العلم والمعرفة، بأن تحسن من بيئة المدرسة، لتخلق منها بيئة تنافس جاذبة ومرحة وغنية ... الخ، لا بيئة كئيبة ومنفرة وطاردة ومحطمة وبائسة ... الخ. ولو كان ذلك فقط وفقط، بخلق (غرف لعب حديثة متطورة وغنية ببعض الأدوات المسلية)، يكافأ من خلالها اجتهاد الطلاب وتميزهم وسعيهم للتحسين والتحصيل ... في كل مدرسة ... لكفى.
وفي الأخير هنا، فبصراحة: (رحم الله أيام زمان)، فوزارة لا تعرف معنى ولا قيمة للحافز والدرجات والتشجيع والتحفيز، ولا قيمة لتمييز وإبراز وفرز أبنائها المجتهدين من الطلاب والطالبات من غيرهم، عبر طرق وآليات دقيقة وصحيحة، ولا تعرف كيف تحددهم وتشخصهم عبر الآليات المناسبة، أو لا يهمها كثيراً أن تقوم بتحديد الإخفاق والنجاح أو مدى الإخفاق والنجاح ومستوياته بين الطلاب في مرافقها دافعة باتجاه التفاضل، فتجعل من ذلك أولى أولوياتها، يحق لنا هنا أن نقول عنها أنه: "عليها السلام" ... ويرحمها الله.