هستيريا إعلام الكراهية .. إلى أين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (1) وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري " نهاهم أولاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله: ﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ أي العدل أقرب إلى التقوى " (2) ، ولكننا نرى كيف أن إعلامنا المحلي موبوء برائحة الكراهية إلى حد الغثيان فها هم المسكونون بالكراهية يقومون بتنظيم برامج ندوات ومحاضرات ذات عناوين ومحتويات تحريضية تطفح بالكراهية تجاه احد مكونات هذه البلاد دونما رادع يردعها من الجهات المعنية لإيقاف هكذا برامج ، الأمر الذي يخطرنا بأن ثمة دعما رسميا لمثل هذه البرامج إن لم يكن بإيعاز منها ، مما يكشف لنا حقيقة ومدى الحصانة الأمنية والحقوقية التي يتحلى بها الشيعة في موطنهم ، علما أن حماية الشعب بكل مكوناته أمام الأخطار التي تتهددها يعد احد المسؤوليات والأدوار البديهية التي تقوم وتتأسس عليها الدول كأبسط مظاهر السيادة .
بيد أن واقع الحال خلاف ذلك ، فالشيعة منذ أن قبلوا الدخول في هذا الكيان السياسي ولا زالوا يعيشون في ظل سياسات إعلامية تحريضية ترسخ الكراهية والازدراء والتمييز ضدهم بدءا بمنابر الجمعة التي لم تفتأ تبث سموم كراهيتها ضد مكون مهم من مكونات هذا المجتمع بدلا من أن تنشر رسائل المحبة والتآلف والسلم الاجتماعيين ، ومرورا بالصحف والمجلات الآفنة والكتب والنشرات السوداء والأنشطة والبرامج الثقافية الآسنة ، وليس آخرها البرنامج الذي نظم في مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة بقلب العاصمة التي يفترض بها أن تكون رمزا لوحدة هذا الكيان وقلبا يحتضن كل أطيافه ، ولا تتوقف تغذية الكراهية عند حلبة الإعلام والأنشطة الثقافية بل تعدت إلى الصروح التعليمية بما تغذيه مناهجها التكفيرية من كراهية مستديمة تجاه احد مكونات المجتمع تنشأت عليها أجيال وأجيال في حين تنص المواثيق الدولية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان بوجوب ان تستهدف عملية التربية والتعليم " توثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الأثنية أو الدينية " (3) .
هذا الواقع صنع ولا زال يصنع محيطا ديمغرافيا مشحونا بالكراهية والعداوة ، ومتحفزا في كل حين للاعتداء والانقضاض على شريكه في الوطن ، وما أحداث جامعة الجوف وباص المدينة وأحداث قُبا بالمدينة المنورة عنا ببعيد وليست إلا نذر شر قادم و غيض من فيض الكراهية التي عُبأت بها النفوس وصنعتها الأجهزة الإعلامية المحلية والمؤسسات التربوية والتثقيفية ، حتى جعل الشيعة في وضع أمني لا يحسدون عليه فهم و مع مرور الزمن وبسبب سياسات إعلامية وتعليمية مسكونة بالكراهية اصبحوا مكشوفين أمام أخطار حقيقية تهدد وجودهم ، وهذا لعمري يتطلب من رجالات الشيعة وقفة جادة واعية لحجم هذا الخطر توقف الهستيريا الإعلامية المحرضة وتضع حدا لكل أشكال التعبئة ضدنا والا فالمستقبل غير آمن ولا مطمئن .
إن الجهات الرسمية هي المسؤول الأول أمام هذا الواقع وهذه الظواهر ، وان استغراقها في هذا النهج واعتمادها سياسات إعلامية تحريضية وأخرى تعليمية تكفيرية يشكل تهديدا واضحا للسلم الأهلي ، على الجهات المعنية أن تقف فيها على مسؤولياتها الوطنية حتى لا تؤخذ البلاد إلى مالا يحمد عقباه ، فالمواثيق الدولية تلزم الدول بتأمين حماية تامة لمواطنيها من أي أخطار يمكن أن تتهددهم كأحد تجليات السيادة ، وقد الزمت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في المادة العشرين من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، الزمت الدولة بحضر " أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف " (4) .
ولا زالت أحداث البوسنة والهرسك ماثلة في ذاكرة الانسانية والمسلمين خاصة عندما قام صرب البوسنة بمذابح جماعية قتلوا فيها اكثر من 7 آلاف طفل وامرأة وشيخ وشاب وذلك في سربرينيتسا (البوسنة الغربية) في يوليو (تموز) 1995 م ، وما حدث هذا إلا عندما اطلق العنان لإعلام الكراهية ليبث سمومه التحريضية ضد شركائه في الوطن (يوغوسلافيا سابقا) وقد أوضح أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون هذه الحقيقة عندما قال (في العديد من دول العالم تعلمنا حقيقة مهمة هي أن مفتاح منع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية يكمن داخل كل مجتمع. هذه الجرائم تحدث في كثير من الأحيان بشكل أقل بكثير في الدول التي يتمتع فيها المجتمع المدني بقوة حيث نجد للتسامح مكانا ويتم الاحتفال بالتنوع ولا مكان لشخصيات سياسية تحرض على العنف الجماعي لغاياتهم الخاصة حيث يتم احترام حقوق الأقليات وسيادة القانون )(5)، ( وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ) (6) فهل نحتاج إلى دماء اكثر حتى يستيقظ الوطن من سكرة الكراهية ؟