أحلام مواطن يُدعى رائد
الحلم من الوسائل الجميلة التي تجعلنا نعيش بعض السعادة ، حتى لو كانت هذه السعادة مُزيَفة ، و لا زلنا نحلم و نتمادى في أحلامنا لأن الأحلام لازالت مجانية و لم تُفرَض عليها رسوم أو جزية . ففي هذا الوطن يتوسد الكثير من الشُبَّان و الشابات وسائداً حُشيَت بأحلامهم و آمالهم التي يركضون خلف تحقيقها دون علمٍ منهم هل هي قابلة للتحقيق أم لا ، و السبب ليس لكون أحلامهم بعيدة المنال أو مستحيلة ، بل لأن أتفه الأحلام قد تكون مُصادَرة على طبقةٍ من البشر ، بينما قد تكون بعض الأحلام من فئة (( مستحيلة بلس )) ، و في نفس الوقت هي متاحة لطبقةٍ أخرى !!.
و بما أنني شابٌ سقط رأسي على هذه الأرض المباركة ، و ترعرعتُ في زقاقها و حواريها ، و تسلّقت بعض أشجارها ، و (( شقحتُ )) بعض أسوارها ، ليس بهدف السرقة ، بل لأني كنتُ أنسى المفاتيح منذ صغري داخل المنزل ، و بما أنني مشيت حافياً في أحيائها صغيراً حتى جُرِحَت قدمَيَّ مِراراً إما بفعل مسمارٍ بارزٍ أو زجاجةٍ مُستلقيةٍ أنا أتحدث الآن. و بعد كل صفحات الطفولة المُمَزّقة ، كَبِرتُ و كَبرَتْ معي أحلامي الخاصة و أحلامي المشتركة أيضاً التي أتشاطرها مع أبناء و بنات وطني ، و التي خطّطتها و نسجتها منذ صغري ، و البعض منها رافقني حتى اشتدَّ عودي ، و البعض تخلى عنيّ قبل ذلك ، و البعض الآخر تخلّيت أنا عنه ، و اسمحوا لي أن أسرد عليكم بعضاً منها :
أحلم بوطنٍ يحتضن كافة أبناءه باختلاف أطيافهم و أعراقهم و قبائلهم و أقاليمهم دون تفرقةٍ أو إقصاءٍ ، كما أحلم بوجود الحرّيات الدينية و العقائدية ، و أن يأتي اليوم الذي يُشهِر كل شخصٍ عقيدته كما يُشهِر الفارس الباسل سيفه دون خشيةٍ أو خوفٍ ، لأن من شروط العبادة هي الروحانية و الطمأنينة ، و لا تجتمعان مع الخوف أبداً .
أحلم باليوم الذي تتكفل فيه وزارة الشؤون الإسلامية ببناء مساجد الشيعة و الإسماعيلية و الشافعية و غيرها من الأقليات المسلمة أسوةُ بإخوانهم أهل السنة و الجماعة من العامة .
و أحلم باليوم الذي لا يهاب فيه السُنّي الدخول لمسجد الشيعة للصلاة ، و لا يخشى الشيعي دخول مسجد السُنّة للصلاة أيضاً ، فكل المساجد بيوت الله ، و كلها وُجدت للصلاة قربةً إلى الله تجاه قبلةٍ واحدةٍ ، و كلنا نصلي في الحرمين الشريفين.
أحلم بذلك اليوم الذي تتكافأ فيه فرص المواطنين ، و يُقطع دابر الواسطة و يتم درء المحسوبية و دحر القائمين عليها ، و يكون المعيار الحقيقي للتفاضل بعد المواطَنة هي الكفاءة .
من أحلامي أيضاً أن تُشطَب من قواميسنا مفرداتٍ مثل : شيعي ، سني ، رافضي ، ناصبي ، وهّابي ، جيزاني ، قصمنجي .. و رموزٍ مثل : )) 110)) و (( 220)) و (( 07)) و التي أصبحت ملفتة لأنظارنا حال طرحها حتى لو بشكلٍ عفوي .. و أسئلةٍ مثل : وش أنت من لحية ؟؟ ، وش ترجع له ؟! ، من أي فخذ ؟؟ و من أي قبيلة ؟؟ شيعي أو سني ؟؟ بدوي أو حضري ؟؟ و أن تكون مظلتنا المواطَنة و أرضنا الوطن .
أيضاً أحلم أن نتخلص من داء الاستجداء الذي نتقمَّصه لقفز أسوار النظام و عباراته المقززة مثل : فزعتك ، تكفى يا بو ، طلبتك ، قل تَم ، داخلٍ على الله ثم عليك ، و التي تستخدم في أوقاتٍ كثيرة لغير مواضعها الصحيحة !!
و لازالت سلسلة أحلامي مستمرة ، و التي أتمنى ألا تكون أضغاثاً ، و أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم بها ، فإن أردتم أن أتوقف فأنا طوع بنانكم .
هناك حلمٌ مهمٌ سأسرده قبل أن يباغته النسيان ، و هو أن ألّا أرى ابنة بلدي في خلوةٍ دائمة في أوقات اليوم المختلفة مع سائق أجنبي وَفَدَ إلى بلادنا دون أن نعرف أصله من فصله و ما هي سلوكياته و ما سيرته !! و نراه يجوب بها الشوارع و يتجوّل بها في الأحياء و يقطع بها الطرق السريعة من مدينةٍ لأخرى ، بل أن تأخذ حقها في قيادة السيارة بنفسها و التحرر من هواجس التحرّش و المضايقات و الاغتصاب مِنْ قِبَل السائقين التي لا تبرح خيالها !!
أعدكم أنه الحلم الأخير ، و هم أن يتم محاسبة كل مقصِّرٍ ، و معاقبة كل فاسدٍ ، و التشهير بكل ساطٍ على المال العام ، فعندما نصل لهذه المرحلة لن يأمن الفاسدون العقوبة ، و بالتالي لن يسيئون الأدب .
ختاماً .. قد أصافحكم مجدداً بمجموعة لا بأس بها من أحلامي حين تفقس ، و حتى ذلك الحين ، استودعكم من لا تضيع ودائعه ، و أقول لمن أعجبته أحلامي : إعجابك هدفٌ أنشده ، فشكراً لإشعاري بتحقيقه .. و أقول لمن لم تعجبه و تسبَّبت في غضبه و سخطه : اعتذر منك سيّدي ، و أرجو منك أن تتكرّم و تتحمل عناء الصعود لأعلى الموضوع من جديد حتى تصل العنوان ، حينها ستقرأ عبارة : ((أحلام مواطن يُدعى رائد )) ، فأرجوك ، دعني أحلم ، و لا تصادرني أحلامي .