القطيف...حقوق "مُغيبة" في ظل تنمية "غير مُتوازنة"
أثناء تصفحي في الموقع الإلكتروني لصحيفة "الحياة"، قرأت خبراً، عن توقيع مدير جامعة الدمام الدكتور عبدالله الربيش، عقد إنشاء كلية للعلوم والآداب للبنات بالنعيرية، بقيمة ١١٤ مليوناً، وتبلغ مدة التنفيذ 3 سنوات. وتضم الكلية جميع الخدمات التعليمية والبحثية اللازمة، من معامل وورش وفصول دراسية، كما تحوي ١٦ قسماً أكاديمياً، ومختلف أنواع المعامل...
وأثار هذا الخبر استغرابي، ومصدر هذا الاستغراب أن محافظة القطيف، تنتظر منذ عقود إنشاء كلية تستوعب طالباتها من خريجات المدارس الثانوية، بخلاف كلية المجتمع، التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. وعلى رغم رفع أهاليها مطالب متكررة في هذا الصدد، إلا أن أدراج المسؤولين كانت مآل هذه الطلبات.
ولي وقفة قصيرة هنا ألقي الضوء على بيانات تعريفية لمن قد جهل وخفي عليه الأمر، وهي تذكيرية لمن تجاهل أو نسي:
فالنعيرية يبلغ عدد سكانها السعوديين ما يقارب 43.680 نسمة، وهو أقل من عدد الطالبات (فقط) في محافظة القطيف، البالغ 50 ألف طالبة تقريباً، من عدد سكان المحافظة، الذي يتجاوز نصف مليون نسمة.
ونشأت النعيرية في الخمسينيات، أي ما يقارب 60 عاماً. أما القطيف فيرجع تاريخها لأكثر من 5 آلاف سنة.
وتقدر مساحة النعيرية بـ٢٥ كلم2، أما القطيف بما يتبعها من أربع عشرة قرية فتقدر مساحتها بآلاف أضعافها، وإن بدأ بالعمل على تقليصها باستقطاع الكثير من مساحتها وضمها إلى محافظات أخرى! ولست هنا بصدد الخوض في هذه القضية الحساسة التي بات الحديث عنها مدعاة للمساءلة من قبل بعض الجهات.
أيضاً نجد أن تعليم البنات دخل لمحافظة القطيف مبكراً جداً، وقبل أن يبدأ التعليم الرسمي في البلاد، وبجهدٍ وتوجهٍ أهلي واعٍ من رجالاتها المدركين لأهميته، ولا زالت مطالبات مواطنيها بافتتاح كليات للبنين والبنات - فضلاً عن إنشاء الجامعات وهو أقل استحقاقاتها - لم تنقطع خلال السنوات الماضية وحتى اليوم. وأنا هنا لست ضد فتح أي معلم حضاري على أية بقعة من أرض بلادي، خصوصاً إن كان صرحاً تعليمياً، يعمل على تنمية الإنسان، بل وأدعو إليه، إذ أن تعليم النشئ هو الاستثمار الحقيقي لأية أمة ساعية للرقي، وهنيئاً لسكان النعيرية وغيرها من المناطق الأخرى التي سبقتها بمثل هذا الاهتمام. لكن أين هي التنمية المتوازنة بين كافة المناطق التي يتحدث المسئولون عنها؟! أين هي العدالة في التوزيع، وأهمها توزيع الموارد والخدمات التي يتشدق بها البعض؟! أين هو صدق القول بعدم التمييز؟! أين آليات المساواة التي يقال بتطبيقها على كل المناطق؟! التهميش جلي ويقره الفعل قبل القول، والبصر قبل السمع. فتحت أي معيار كان لتوزيع الخدمات؛ سيكون لمحافظة القطيف السبق فيه، وهذا وللأسف لم يؤخذ في الحسبان أبداً. وما حديثي هنا عن إنشاء الجامعات أو الكليات إلا إشارة واحدة فقط للتقصير في حقوق ثانية وعاشرة لها.
أما الحقيقة التي أراها أضحت وأمست عياناً للجميع كالشمس في رابعة النهار؛ ولربما يصعب أن نجد من يملك أدلة على خلاف ذلك؛ أن هناك من لا يريد أن يكون لمحافظة القطيف وجود ذو قيمة، ولا أن يرتفع لها ولا لأبنائها المخلصين لهذا الوطن العاشقين لترابه، أي ذكر، سوى أن تكون ضرعاً يدر الذهب الأسود، - عفواً قصدت الحليب الأبيض - يتغذى عليه غير أبنائها. وقد غاب عن القلوب العليلة أن الضرع حتى يعطي لا بد أن يكون له نصيب، وقدر عالِ من عافية الجسد الذي ينتمي إليه، وهذه لا تتحقق إلا بمكافحة كل الأسقام.
إن السعي الممنهج المتواصل لتهميش هذه البقعة المعطاء، وإقصاء أبنائها، والتعدي على مساحات شاسعة من حدودها الإدارية لا يقره أي قانون أو نظام عادل، يعلن أن شرعته وأساس حكمه كتاب الله وسنة رسوله.