"أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"
إن المنبر الحسيني يتطلب من الجميع التعاون معاً ليحقق هذا المنبر العظيم أهدافه و لنبدأ أولاً بالمرتقي هذا المنبر و المسئول الأول عنه ألا وهو الخطيب.
على الخطيب أن يوازن في حضوره بين الدمعة و الرسالة التي تتضمنها فالعِبرة تدفعها العَبرة و الإنسان يتعظ من القصص فما بالنا بقصة الإمام الحسين عليه السلام؟!
و لأجل هذا الهدف السامي ينبغي أن يكون الخطيب ظاهراً كما هو باطناً و أن يكون قريباً من المستمعين و مقبولاً لديهم و لديه قدرة كبيرة على استمالة المستمعين والتأثير فيهم و ذلك باختيار الموضوعات و القضايا التي تهم المجتمع بكل أطيافه و فئاته وأيضاً من خلال تحكمه في قدراته الصوتية من حيث النغمة و القوة و الحدة و تبديل طبقات الصوت و درجات السرعة في الكلام ومواطن الوقف بما يتلاءم مع الحديث و الطرح .
و لا بد أيضاً أن تكون ثقافة الخطيب متنوعة و أن يهتم بربط جميع المواضيع التي يطرحها بسيرة أهل البيت عليهم السلام بما يخص المناسبة الدينية التي أُقيم المجلس لأجلها و لتحقيق ذلك لا بد أن يكون الخطيب جامعاً للوعظ و الفقه و الخطابة و القراءة الحسينية و لديه قدرة على التركيز في موضوع واحد و طرحه بأسلوب مناسب و سلاسة بحيث يستوعبه جميع المستمعين .
و قيل أن السيد أحمد القمي الروحاني العالِم المجتهد و الواعظ المؤثر كان حاضراً في مجلس خاص حضره جمهرة من الخطباء المشهورين في إيران يومذاك فطلب الخطيب الذي دُعي لصعود المنبر من زملائه أن يشيروا عليه بالموضوعات التي يطرحها حين يصعد المنبر في مجلس يحضره الناس من مختلف الطبقات و ربما بعضهم أشخاص يحضرون المجلس لأول مرة في حياتهم فأدلى كل خطيب بدلوه و بقي السيد القمي ساكتاً فالتفت إليه الخطيب و ألح عليه إلحاحاً شديداً أن يبدي رأيه فطلب منه السيد أن يصف مكان المجلس الذي يخطب فيه و سأله عن مساحة الأرض و موقع المنبر و زاويته و كمية الحضور و أراد بهذا رسم صورة المجلس في ذهن الخطيب و بعدها قال له: عندما تصعد المنبر و تبدأ بقراءة المقدمة و تفكر في ترتيب الموضوع الذي وقع عليه اختيارك تصور و أنت في تلك الحالة أن رسول الله صلى الله عليه و آله جالس هناك أمامك آخذاً لحيته بيده و يشكو لله غربة دينه .
جسد هذه الصورة في ذهنك ثم انظر و أنت في تلك الحالة ماذا تقول و كيف ستتكلم؟
يقول الخطيب: عندما صعدت المنبر تراءى لي ذلك المنظر حقاً و قد تملكني و هيمن علي شعور بحضور النبي صلى الله عليه و آله و أنه يراني و ينظر ما أقول و كيف أخدم دينه ثم انتخبت موضوعاً و بدأت أتكلم عنه و كان لكلماتي تأثير معنوي عظيم في الناس بسبب ذلك.