ملآك الرحمة
إلهي هَبْ لي كمال الإنقطاع إليك وأَنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ..
هكذا بدأ خالد رحلته إلى الحج .. فهو الآن يجلس على كرسيه
في الحافلة ينظر من النافذة وكل شيءٍ في الخارج يمرُ أمامه بسرعة ..
غفتْ عيناه واسترجع سريعاً شريط حياته الماضية
فهو في الأربعين من عمره لم يسبق له الحج بل إنه لم يفكر يوماً في الحج ..!!
ولكن ؟! ما الذي حدث !
حتى عاد إلى الله وانقطع إليه ...
خالد صاحب شركة معروفة بمشاريعها الضخمة ومع ما أنعمه الله عليه
قد كان أبعد ما يكون عن الله
فهو صاحب هوىً وملذات وأسيرٌ لشهواته ..
لا يتورع عن فعل المحرمات أينما كان وكيفما كان !!
وفي يومٍ من الأيام دُعِيَ إلى حفلة من تلك الحفلات التي كان يحييها مع أصحابه
وبعد خروجه من ذلك المكان القذر في تلك الليلة الماطرة التقى بفتاةٍ عل حافة الطريق
قد أخذ منها البرد مأخذه ولم يعلم لما أوقف سيارته ؟!
ليعرض عليها المساعدة إذ لم يفعلها قط في حياته ..
نجلاء تلك الفتاة الجميلة التي تبللت ثيابها وخصلات شعرها الطويلة
وقد كانت تعمل في خياطة الملابس لِتُعِيل والدها المُقعد وأمها العمياء
وأثناء عودتها للمنزل تعطلت سيارتها فوقفت على قارعة الطريق تنتظر المساعدة ..
ركبت نجلاء في سيارة خالد وبعد أن تبادلا أطراف الحديث ....
ينظر خالد إلى نجلاء ويحاول أن يمد يده إليها كما كان يفعل مع كل من كانت تركب معه
لكن قبل أن تتحرك يده أخرجت نجلاء من حقيبتها مصحفاً لتهديه إلى خالد ..!
خالد : يسأل ما هذا ..؟
نجلاء : مصحف ليحفظك وهديةٌ لمعروفك معي ..
يفتح خالد المصحف وهو ممسك بمقود السيارة وإذا بالآية الكريمة
"أَلَمْ يَأْنِ لِلذيْنَ ءآمَنُوآ أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذكْر الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَق ولاَ يَكُونُوآ كاِللذيْنَ أُوْتُواْ الكِتَابَ
مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عليْهُم الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيْرٌ مِنهُمْ فَاسِقُون " سورة الحديد ( 16 )
وما إن أكمل الآية الشريفة حتى انحرفت السيارة عن الطريق وارتطمت بعمود ..
نُقل خالد ونجلاء إلى المستشفى ، خالد أُصِيبَ في العمود الفقري وفي رأسه وقد أفقده ذلك الوعي
أما نجلاء فقد أصُيبَت بخدوشٍ طفيفة في جسمها ..
أفاق خالد من غيبوبته بعد ثلاثة أيام وفتح عيناه فإذا بنجلاء ذلك الملاك الجميل يقف أمامه بابتسامة بريئة :
حمداً لله على سلامتك ..
دخل الطبيب وتحدث مع خالد :
أخيراً أفقت ،، الحمدلله على سلامتك ..
وأنتِ يا سيدتي حمداً لله على سلامة زوجكِ سيخرج بعد أسبوعِ بإذن الله ..
عليكِ أن تعتني به جيداً في المنزل ريثما يتماثل للشفاء تماماً ..
حينها ،، تُطرق نجلاء رأسها خجلاً وترتسم على وجه خالد ابتسامه
بعدها خرج الطبيب من الغرفة ..
نظر خالد إلى نجلاء مُتأملاً كيف تمثل القمر في قرص وجهها المُحاط بحجابٍ أسود وجسمها مرشوق القوام
الذي سُتِرَ بقميصٍ طويل وبنطالٍ واسع ..
خالد ،، يطلب من نجلاء أن تكون ممرضةً له في المنزل لحاجته لذلك ..
نجلاء ،، تفكر وتُطبِق برموشها الطويلة على تلك العينان العسليتان لتفتحهما لِتنظر إلى خالد
مُبدِيةً استعدادها لهذه المهمة ..
انتقل خالد إلى قصره الكبير الذي مُلأ بالأثاث والتحف والخادمات والخالي من الزوجة والأولاد ..!
فخالد رغم ثرائه لم يتزوج ..؟!
بعد فترةٍ من الزمن تعلق قلب خالد بنجلاء وأصبح الابتعاد عنها من الأمور التي
لا يُطيقها خالد
لكن نجلاء كانت مُلزمةً للذهاب إلى بيتها للعناية بوالديها ،، لذا عرض عليها العيش مع والديها في قصره
وبالفعل تسكن نجلاء مع والديها في غرفتين مجاورتين لغرفة خالد لِيَسهُل عليها العناية بهم جميعاً ..
كل يومٍ يمضي يزداد تعلق خالد بنجلاء ولكنه لا يزال في ضلاله القديم
ونجلاء امرأة مؤمنه تخاف الله سبحانه وتعالى ..
وكان الشيطان أقوى منه فقد خرج في ليلة من الليالي من غرفتة بخطواتٍ لا تُسمَع
وبمجرد أن وصلت قدماه بالقرب من غرفة والد نجلاء حتى سمع
( إلهي تعرض إليك في هذه الليل المتعرضون وقصدك القاصدون وأمل فضلك ومعروفك الطالبون
ولك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب تمُنُ بها على من تشاء من عبادك
وتمنعها مَنْ لم يبق له العناية منك ) ..
تأثر خالد بما سمع وتراجع إلى غرفته وأغلق بابه ولكن الشيطان قد سيطر على عقله
فواصل بخطواته الشيطانية في ليلة أخرى ليصل إلى غرفة نجلاء وما إن تلامس يده مقبض الباب
حتى سمع نجلاء تقرأ القرآن فوقف ليستمع إلى ذلك الصوت الذي تعلق بخالقه فقرر خالد
ترك الأمر الذي صمم عليه ..
في جلسة من جلساته مع والدي نجلاء دآر بينهم حديث طويل عرف من خلاله صبر
وإيمان هذه العائلة ..
فوالد نجلاء تعرض لإصابة عمل منذ عشرين عاماً أفقدته رجليه وهو يحمد الله على ما هو فيه ..
وأم نجلاء تلك الإنسانة التي لم ترى النور منذ ولادتها ومع ذلك لسانها لا يلهج إلا بذكر الله سحانه وتعالى ..
تأثر خالد كثيراً من هذه العائلة مما جعله يفكر في ما مضى من حياته الخاوية من ذكر الله
وكيف بنعمه يعصيه ..؟!
ومع ذلك روحه الشيطانية لا زالت غالبة عليه ..!
قرر خالد الزواج من نجلاء وقد تم له ما أراد ..
عاش خالد حياة سعيدة جداً فنجلاء وفرت له كل الحب والحنان فكانت الزوجة والصديق المخلص
ولطالما قدمت إليه النصائح الدينية فقد كانت تدد دائماً على مسامعه :
" لكل معصية عقوية وبالشكر تدوم النعم "
ومع أن كلام نجلاء كان جميلاً في كل مرة لكن خالد لا زال في معاصيه
بعد خمس سنوات من الزواج
وفي اجتماع عائلي أعلنت بأنها حامل ..
وشتان بين فرحة نجلاء وفرحة خالد ..!
فنجلاء توجهت إلى الله سبحانه لتشكره على هذه النعمة
وخالد عبر عن فرحته بسهرةٍ مع أصحاب السوء ..
فمع ما أفاض الله سبحانه وتعالى على خالد من نعمه وهو لا يزال في غفلته لذلك لابد من صفعة توقظه
وهذا ما حدث ..!؟!
في إحدى الليالي الماجنة التي تعود عليها خالد يرن هاتفه الخلوي ليحمل إليه خبراً بأن نجلاء
في حالة ولادة ..!
ذهب مسرعاً إلى المستشفى ليلتقي بنجلاء وهي على ذلك السرير الأبيض
فيمسك بيديها وتترقرق عيناها بالدموع ويقبلها قبلة ،، لم يعلم إلا بعد ساعتين أنها القُبلة الأخيرة ..!!
نجلاء تتألم بشدة ،، بشدة ،، بشدة
في غرفة الولادة فتموت وهي تضع مولودها ..!!
يُصعق خالد من الخبر !!
ويرمي بجسمه على أحد جدران المستشفى وهو يتمتم بشفتيه
" لقد ماتت نجلاء "
" ماتت ملاك الرحمة "
وبعد لحظات ،، يُصعق بالخر الثاني بأن المولود الذي كان ينتظره هو الآخر فارق الحياة !!
يستيقظ خالد من غفوته ويرفع ظهره عن كرسي الحافلة وهو يدعو
" اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم ، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم "