الرجال عندما يتحولون إلى وحوش
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان رضيعاً في مهده وأبدع في خلقته وجعله طفلا ً يافعاً لا يعرفُ معنى القسوة والغلظة، وابتسامته البريئة تملأ ُ شفتاه حتى لو بكى تجدهُ أجمل وصياحهُ كموسيقى أو كسيمفونية تطربُ الآذان وتزرع ُ في النفس السعادة والابتهاج، ولكن المُشكلة عندما كبر وأصبح ذلك الطفل في ريعان الشباب أو ربما في زمن الكهولة، ولنعترف جميعاً أن قلة من الرجال تغيروا وتحولوا إلى وحوش ٍ ساغبة لا تجيد سوى لغة الطغيان والجُرم مُتسترة ً بعباءة البراءة والرياء ويتعاملون مع الناس كالأشياء لا كالأشخاص، وهذا ما نجده اليوم، فلقد أصبح البعض من الرجال وقد يُصاب السامع بالذهول والغرابة والعجب عندما يسمع أفعالهم وسُلوكهم المُنحط والغير مُبرّر وقصصُ الإجرام الغريبة مُتذرعين بأعذار لم ولن تبرّر لهم ما يفعلون، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ( ويلٌ لمن ساءت سيرته وجارت ملكته وتجبّر واعتدى).
أصبحنا في زمن الوحشية والأنانية وقصصٌ عند سماعها تقشعر الأبدان والدم يجّف في الشريان، فإن الجرائم والقسوة التي نعيشها اليوم ونسمعها في كل حين، قد أصبحت شيئاً طبيعي ولا فيه أي استغراب، والأشياء التي كنا قبل سنين لا نسمعها إلى في القصص الخيالية والمُسلسلات التلفزيونية والأحلام المُزعجة والكوابيس، أصبحت اليوم في أرض الواقع ونعايشها حتى في بلادنا وقريبة ٌ منّا أو ربما تصدر من أحد من معارفنا أو أحد من أهلنا أجارنا وأجاركم الله تعالى وصرنا لا نستغرب من أي شي يحصل في زمن ٍ تفشى فيه الظلم والجور و الفجور والبُعد عن طريق الحق وأكل الحرام وعدم الغيرة والبُعد عن الله سبحانه وتعالى وعدم غض البصر عن مُحرمات الناس، وهل حقاً هؤلاء الرجال القساة من الآدميين والبشر؟ ، قال الإمام علي عليــه السلام ( غرورُ الدُنيا يصرع وغرورُ الهــــوى يخدع ).
إن الرجولة أعزائي هي ليست القوة الجسمانية والعضلات والخشونة والبنية القوية والفحولة، بل الرجولة هي أن تعامل الناس بالحسنى وأن لا تسيء لهم أبداً وتعطي كل ذي حقاً حقه، إن بعض الرجال يرى في قوته البدنية وجبروته كبرياءً وتميز، وأن يكون صخرة ً كالجلمود وإحساسه معدوم لا يهزه أي موقف حزين، في اعتقاده أنه سوف يكون ذو شخصية بارزة تفرض نفسها على الآخرين وأن تكون له مكانة ً مُميزة عند ذويه والناس جميعاً، وإن العطف واللين هي صفة ُ الضُعفاء، إن الرد على هذا الرجل هو أن علو صوتك وصراخك وكثرة الشتائم والسباب التي تتفوه بها وصعوبة إقناعك وإن عدم نزول أي دمعة على وجنتيك واعتقادك بأنها سوف تقلل من هيبتك، ما هي إلا تمّسك بالقشور وترك اللباب وتمّسك بالفروع وترك الأصول وتجاهلت بأنها سوف توّلد لك الكراهية المقيتة من الناس جميعاً، خاصة ً من ذويك، أولادك، وزوجـتك، وكل أرحامك، وإن تفكيرك بأن القسوة هي تعبير عن قمّة الرجولة والشجاعة، فسوف أقول لك أنـت واهم و تجـاهلت بأنـها تعزيز لسلوك الانحـراف والجُـرم، قال الإمـام علـي عليه الـسلام ( ضادوا القسوة بالرقة )، و قالوا في الأمثال ( دارُ الظالم خرابٌ ولو بعد حين ).
إن قسوة بعض الرجال تجاه أولادهم مثلا، ً ومُعاملتهم بشراسةٍِ وعدم التسامُح عند الخطأ وتحوّله إلى وحش ٍ كاسر وفكٍ مُفترس يضرُب بيدٍ من حديد بكل قسوة مُبتعدا عن الرقة والعواطف و من غير ُشعور، وإن يكون ذئباً بشرياً جاء لينقض على فريسته بكل وحشية، وتجاهل بأن هذا ابنه و فلذة كبده وقطعةٍ منه، فالقصص التي نسمعُها اليوم تقطع القلوب وتحزننا جميعا، فمتى صار الأب يزني بابنته؟ أو أبنه ؟ أو يقتلهم شر قتلة ولكل مّنا سمع عن قصة ذلك الرجل السوري الذي أغرق أولاده الأربعة في النهر قبل شهور كي ينتقم من زوجته ويحرُق قلبها، قال الإمام علي عليه السلام ( ما أعظم وزر من ظلم واعتدى وتجبر وطغــى )، وغيرها من القصص الكثيرة فالصُحف تشهد، والمواقع الالكترونية تشهد، والبرامج التلفزيونية تشهد، أو ربما رجلٌ يعاقر الخمر ولا يصلي ويسكر ويانهال ضرباً على أولاده بكل قسوة ويحبسهم ويعذبهم حتى بعضهم يضطرون للهروب من منازلهم أو الانتحار للتخلص من هذا العذاب الأليم، وهذه هي نتيجة الرجل الأب المُتسلط الطاغية الذي سقى أولاده شر العذاب وأبتعد عن الرحمة والرأفة ويعتقد أن هذه هي صفة ُ العُظماء في هذه الدُنيا وتجاهل بأنها من الغَباء وصفة ٌ للعِداء الغير إرادي وقطع لخيوط المحبة والتلذذ بعذاب الكائن الضعيف في الأسرة، وتجاهل قوله تعالى:﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (1)، وقال الإمام علي عليــه السلام ( من عامل بالرفق غنم ومن عامل بالعُنف ندم )، وقال أيضاً ( ظلمُ الضعيف أفحشُ الظلم ).
أما عن قسوة فئة ٌ من الرجال تجاه الزوجات، فالبعض منهم يعتقد أنه بالقسوة سوف يكون شخص مُهاب ذو شخصيةٍ مثاليةٍ فذة، فعندما يعتدي عليها بالضرب المبُرح ويشتمها ويجرحها بالكلام البذيء والبصق ويكشر عن أنيابه كالأسد في الغابة ويتجاهل بأنها كائن ضعيف أو يأمرها بفعل المُحرمات والمُنكرات وأن تكون حياتها مليئة بالجحيم وأن يتعامل معها بالدونية، ولا شك أن القوانين المعمول بها في المحاكم الشرعية والتي تعطي الرجل السلطة المُطلقة باسم الدين حتى أن الفتاة لا تجد من تلجأ إليه سوى سلطة الرجل وجوره مرة ً أخرى، أو ربما يقتلها لأسباب تافها فكم من زوج قتل زوجته والإعلام يشهد؟ قال الإمام علي عليه السلام ( سفك الدماء بغير حقها يدعو إلى حلول النقمة وزوال النعمة )، لم يعلم ذلك الرجل أن بالقسوة سوف يبتعد عن الذوق والأدب وسوف يتخبّط في هذه الحياة وإن تعامله بحماقةٍ وبدون رقة سوف يُحاسب عليه من الله تعالى الحساب العسير وقد أرتكب أكبر الظلمات قالوا في الحكم ( على الباغي تــدورُ الدوائر ).
أما قسوة بعض الرجال تجاه الوالدين، فهي في الحقيقة توجع القلب وتذرف الدمع فتلك المحبة التي فطرها الله تعالى بين الأب وأبنه، وكيف أوصانا سبحانه وتعالى ونبينا المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وعل برهم؟ نجد التحّول الشاسع صار واضحاً وجلياً، فقد أصبح بعض الولدين يضربون، أو يهانون، أو ربما يقتلون، وتقطع أشلائهم واليوم بالذات كنت أتصفح جريدة المدينة وأجد أن حدثا أقدم على قتل جدته، أو ربما شخص يزني بأمه وهذه ليست بمُبالغة صدقوني فهذا هو زمن العجائب! والكل سمع عن هذه القصص المُفجعة وهذه هي القسوة التي نجدها اليوم والخافي كان أعظم، قال الإمام علي عليه السلام ( من أستنكف من أبويه فقد خالف الرشد )، إن الوالدين الذين أمرنا الله بعدم العُبوس في وجههم وعدم التأفف منهُم وعدم مُعاملتهم بالتهّجم والشتيمة والقدح والتحقير، أصبح بعض الرجال لا يأنفون من بكائهم، وأصبحوا يتعاملون معهُم بفقر في المشاعر وعدم الاحترام، قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ (2).
ماذا جرى للكثير من الناس قد تغيروا؟ هل أصبحنا في آخر الزمان؟ فلقد صارت جرائم الاغتصاب وخاصة ً اغتصاب القاصرات أمر طبيعي ومُنتشر، وكل يوم نسمع عن قصص تجرح الفؤاد، فلقد صرنا نرى ذاك الرجل يغتصب أخته، وذاك يقتل أخوه، وذاك يقتل جاره، أما عن جرائم السلب والنهب والسرقات لا تعد ولا تحصى والإجرام انتشر بشكل مهول، فلقد أصبح بعض الناس كالذئاب المُفترسة على بعضهم البعض وكفانا الله وإياكم شر الظلم والظالمين.