شباب العوامية: نخوة وشيمة وصدق كلمة
يسمع الكثيرون عن العوامية وشبابها، وقد تعولمت العوامية فأصبحت تظهر على خارطة العالم وليس فقط على خارطة المملكة. وتظهر هنا عبارات تدور بين وصفهم كشعب أسطوري أو شعب مجبول على العناد والفوضى والتمرد. وكلا التصورين فيهما نوع من التضليل والعقاب فأن تصف شعبا بالأسطورة فهذا يعني أنك تريده أن يفعل ما لا تفعله أنت وتريح ذاتك من أي مسئولية ثم عندما يفشل عن تحقيق ما في تصوراتك تبدأ بوصفه بأوصاف عقابية. وأن تقول بأنه شعب عنيد فوضوي متمرد فهذا كأنك تحكم عليه بأنه شعب قوته في عضلاته وتجرده من كل صفات أخرى وهذا ليس بصحيح. الحقيقة أن شباب العوامية ليسوا ملائكة أو شياطين إنهم بكل بساطة شباب حالمٌ وفِيٌ صادقٌ، يمتلئ بالخير والحب والكرم والطيبة وحسن المعشر، وموازينهم الثلاثة التي تجدها أمامك دائما هي الدين والرجولة وشرف الكلمة. فعندما يعطيك التزاما منذ البداية فهذا يعني أنه جعله دينا في رقبته، وعندما لا يريد فإنه لا يعطيك إياها منذ البداية.
إني أعرفهم عن قرب، وأعرف ما يتميزون به من شمائل ومحاسن صفات. ربما هم طموحون جداً، ويكرهون الفاصل بين الرأي والفعل، ويقيسون الحقائق بمقدار تطبيقها على الأرض بسرعة، ويعتبرون التأخر مثله مثل إبداء الرغبة بعدم الالتزام. هذه صفات نفسية تزيد عند بعض الأفراد والشعوب وتقل عند بعض آخر. ولكنها زائدة نوعا ما عند أهل العوامية. وهذه رغم أنها من سمات الشباب إلا أنها عند أهل العوامية تعتبر من سمات عدم الرجولة أيضا وجزء من الحياة والحقيقة.
إن القدح الذي صدر في بعض المواقع ومن بعض الشخصيات ضدهم عندما وصفوهم بأوصاف غير لائقة تريد أن تخرجهم عن حدود الطبيعة البشرية، فهم كما قلنا ليسوا ملائكة أو شياطين، إنهم أناس طبيعيون جداً، يحبون الحوار والصراحة وهم أذكياء جداً وخلوقون، وبإمكانك أن تثق فيهم عندما يعطونك كلمة شرف.
لذا ليس من المعقول أن نحملهم فوق طاقتهم أو نصفهم بأدنى مما هم فيه. ليس من المعقول أن نصف بلدة يبلغ تعداد سكانها 25000 ألف نسمة يبلغ الشباب فيها حدود 15000ألف بصفة واحدة ثم نهاجمهم متناسين طبيعة البشر وتنوع الفكر والمواقف والرأي. وأولئك الذين يريدون تحويل مواقف العوامية إلى مواقف طائفية تحرق الوطن والدولة والمجتمع، هؤلاء خرجوا بعيداً وكأنهم أرادوها مجرد فرصة لتصفية الحسابات وجردَّ البيدر لمعرفة كم كسبنا وكم خسرنا. العكس هو الصحيح فالعوامية كبقية مناطق القطيف تعيش منذ سنوات نشاطا ثقافيا محموما أقرب للوحدة الوطنية والتسامح والإصرار على حق المساواة وأن لا فرق بين مواطن وآخر في دولتنا المملكة. ربما شباب العوامية هم أكثر من يريد تطبيق المساواة وبأسرع ما يكون لأننا كما قلنا مزاجهم سريع بين الرأي والفعل وهذا خلاف رأي ذوي السن الذي يرجحون ويقيسون الأمور بمقايسس المصالح والضغوط وقوة الموازنات.
وعلى خلاف المشهور فإني لم أجد فيهم خلال أشهر من التواصل أنهم يكرهون وطنهم، وأنهم يعادون الدولة، هذا لم يكن في قاموسهم حتى وهم ينتقدون ويقدمون الملاحظات. كانوا أكثر كلاما للدولة لكي تلتفت لهم ولترعى شعبهم، كانوا يرفعون الصوت ليس لأنهم يعتبرون أنفسهم متمردين بل أصحاب مطالب يريدون من حكام دولتهم أن يستمعوا لهم. إنهم أكثر الناس كرها لأن يوصفوا بالمتمردين. كانوا يرفعون صوتهم ليقولوا استمعوا لنا، اهتموا بنا، نحن أبناء الدولة، ليس من الصواب أن تهملوننا وأن نشعر بأننا لسنا مرعيين من قبلكم.
كان خطابهم الصاخب موجه بالدرجة الأولى للدولة كي تعتني بهم وتحتضنهم وترعى شؤونهم وربما فهمت الدولة رسالتهم وربما لا. وربما كان أسلوبهم صحيحا أو خطأ ولكن الحقيقة إنهم يريدون دولة تقربهم ولا تبعدهم. دولة تشعرهم بأنهم منها وليسوا هامشيين.
إني أنصح من يريد الحديث عن العوامية أن يقترب من أهلها ويجالسهم ويستمع لهم ويحاورهم وسيرى أنه يتعامل مع طبقة ذكية وودودة ويمكن الوصول إلى حلول معهم حول قضايا كثيرة. هذا بشرط أن لا تأتيهم وأنت تحمل مواقف سلبية ضدهم، فأي شخص أو فئة لن تقبلك وأنت قد حكمت عليها حكما مسبقاً.