الشيخ علي المرهون ( القدوة الصالحة )
يجعل الإسلام للإنسان ( رجلا كان أو امرأة ) قدوات صالحة , يعطي لها شرعية اجتماعية ويرفعها عالية أمام عينيه ليتخذ أبناء المجتمع منها منهاجا واضحا لعملهم ومقياسا هاما لمدى إنتاجهم وحيويتهم وكفاحهم الطويل وتفاعلهم الإيجابي مع أبناء مجتمعهم الواحد ومشاركتهم الواضحة في أفراحهم و أتراحهم .
فالأنبياء والرسل " عليهم السلام " مثلا تحدث عنهم القرآن الكريم كثيرا وركز عليهم في مواضع عديدة فيذكر قصصهم وتجربتهم الحياتية القاسية ويكررها لعشرات المرات ... لهدف عظيم هو دفع الإنسان الى طريق السمو والتكامل ومحاولة الاهتداء والإقتداء بسيرتهم العطرة والسير على منهاجهم المستقيم الواضح الذي لا عوج فيه إطلاقا .
فعندما تسمع قصة نبي الله أيوب عليه السلام ( على سبيل المثال ) الذي صبر على البلاء فإنك ستتفجر حيوية وتندفع نحو اتباع سيرته العظيمة وانتهاج نهجه المستقيم .
ولدينا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين خير أسوة وقدوة حيث حازوا على القلب السليم والإرادة الصلبة والروح الصاعدة إلى الجليل الخاضعة لأوامره ونواهيه وهم أهل العصمة والطهارة الذين لم يصدر عنهم أيّ خطأ على الإطلاق سواء في علاقاتهم مع الناس أو في طريقتهم ونهجهم الواضح في الحياة .. أبرز دليل على سموهم ورفعتهم هو تعاملهم مع الآخرين بالحسنى والمعاملة الإنسانية الراقية والمتحضرة .
فلقد كان سماحة الشيخ علي المرهون بحق وصدق مقتديا بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين فتخذهم المثال الأعلى له في التربية الذاتية وتنمية الخير في نفسه لأنه يرى في الحقيقة أن تنمية الإنسان لجانب الخير يبدأ في ذاته وفي تزكية نفسه دافعا بكل إرادة وعزيمة في الابتعاد عن الجانب السيئ بكل ما يملك جاعلا أمام عينيه التعاليم الإلهية والربانية لأنها دائما تقرب الإنسان وترفعه للسمو ليحلق بنفسه في سماء الروحيات والتعاليم الدينية والإسلامية الذي قاعدتها ( حسن الخلق ) .
هكذا تميز الشيخ المرهون بروح الألفة والمحبة والمعاملة الطيبة والسيرة الحسنة... فدماثة خلقه تراه دائم البسمة والبهجة يحبه من جلس إليه وينجذب إليه من عاشره وجالسه وكان لا يتكلف ولا يتصنع لا في سفر ولا في حضر وكان معروفا عنه بالتواضع والكرم والحلم وسعة الصدر لا يعرف الغرور في حياته ولا يوجد في قاموس تعاملاته مع الناس شيئا اسمه التكبر والتعالي وهكذا كان سماحة الشيخ المرهون متميزا في صفاء قلبه وطهارة روحه ونقاء سريرته فلم يحمل إطلاقا في قلبه الحقد والحسد و الغل والتحامل حتى مع المسيئين لذا لم يعرف له من يعاديه عداوة شخصية سواء من بعيد أو قريب . ولهذا فقد كان مصداقا لقوله تعالى : ﴿ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ﴾ .
وكان سماحة الشيخ المرهون بمثابة الأب الحاني لجميع الفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام والأرامل ومن يشبههم من أبناء المجتمع .. و كان يدعو دائما إلى التكافل الاجتماعي لسد الاحتياجات المالية و خاصة من هم بأمس الحاجة في توفير وتيسير حياة زوجية كريمة .. هكذا أصبح سماحة الشيخ المرهون نموذجا راقيا وعالم رباني الذي لا يبحث عن الدنيا ولا ينقاد وراء مظاهرها الكاذبة والمزيفة تراه قد وصل إلى درجة علمية ومكانة اجتماعية مرموقة وهو لا يجعل ذلك ميزة يراها في نفسه تفضله على الآخرين ولا يدعها تغير من طبيعة تعامله ومعاشرته لجميع شرائح المجتمع وفئاته وطبقاته ولقد كان بحق مصداقا لقول أمير المؤمنين علي : " هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان ( البصيرة ) وباشروا روح اليقين فاستسهلوا ( فاستلانوا ) ما استو عر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحلّ الأعلى .. ويستطرد أمير المؤمنين كلامه لكميل بن زياد النخعي : يا كميل أولئك خلفاء الله في أرضه والدّعاة إلى دينه آه آه شوقا إلى رؤيتهم " .
حقا وصدقا .. إن التعاليم الدينية والإسلامية تجعل الإنسان ساميا عن السفاسف الدنيوية مترفعا عنها ولا يسمح لها أن تحل محل الفضائل الإلهية لأننا لو نظرنا إلى الحياة الدنيا وحقيقتها لوجدناها جسرا يوصلنا إلى الحياة الآخرة لأننا مهما بقينا فيها فأيامنا معدودة ومحدودة تنتهي ونحن راحلون ولهذا لا تستحق الدنيا أن تكون غايتنا ومحط همومنا وهذه حقيقة واضحة عرفها الشيخ المرهون في حياته معرفة تامة لهذا ارتفعت و سمت نفسه عن صغائر الأمور إلى عواليها وجعل همه كسب الفضائل التي توصله إلى الكمال والسمو والرفعة ... " فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ".