الغدير.. عيد الله الأكبر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين مكمل الدين ومتم النعمة والراضي بولاية أمير المؤمنين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ ياايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ﴾. (المائدة، آية 67). صدق الله العلي العظيم.
هذه الآية نزلت في غدير خم تأمر النبي بان يقوم في الناس ويبلغهم تنصيب الله سبحانه وتعالى لأمير المؤمنين علي ابن ابي طالب أميرا على الناس بعد رسول الله. وهذا ما يسمى في عرف أهل العلم بحديث الغدير ورواية الغدير، التي بلغت من الشهرة والتواتر ما أشبه عين الشمس، حتى بالنسبة للجاحدين.
فان حديث الغدير قد اقره المخالف والموافق، والبعيد والقريب، والذكر والأنثى، والجاهل والعالم، وهذا باعتراف علماء المسلمين بغض النظر عن علماء الشيعة. فان الذهبي وغيره يقولون: أن حديث الغدير لا مرية فيه ولا ريب.
وبهذه المناسبة أمر الله رسوله ، وأمر رسوله الآمة، وأمر أهل البيت شيعتهم أن يتخذوا هذا اليوم عيدا، بل ورد عن أهل البيت: «انه عيد الله الأكبر، وان اسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المسؤول».
وأنا سأنطلق في حديثي عن هذه المناسبة العظيمة من هذه الفقرة في تسميته يوم الغدير باسم: «لعهد المعهود في السماء، وبأسم الميثاق المأخوذ والجمع المسؤول في الأرض».
الملاحظ في هذا الحديث أن ليوم الغدير اسمين، وان لكل اسم عالم. ولعل البعض يتوهم أن تعدد الأسماء هو أمر اعتيادي متعارف عليه في عالم التسميات. فقد يكون للشئ الواحد اكثر من اسم. ولعنا نمر على الرواية التي تقول: «أن اسمه في السماء احمد، وفي الارض محمد »فنظن أن هذين اسمان لا اثر لتعددهم في المسمى، ولكن الصحيح أن تعدد الأسماء متعدد الاعتبارات والجهات الموجودة في المسمى. ولذلك سنحلل كلمتي العهد المعهود، والميثاق المأخوذ حتى نبحث عما يترتب على تلك الكلمتين بالنسبة للمعنى المتنازع بين المسلمين في معنى « من كنت مولاه فعلي مولاه». فان البعض ادعى أن كلمة مولى بمعنى الناصر، والمحب، والمعتق، والمُعتق، وابن العم، والجار وما الي ذلك. حاولوا أن يحرفوا كلمة مولى الي معنى لا يفيد الشيعة، ولا يضر غيرهم.
العهد: يفيد معنى الإعطاء. ﴿ وعهدنا الي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا ﴾ (البقرة، آية 125).. أي أمرناهم أن طهرا. العهد: مأخوذ من عهد، يعهد أي: يعطي. أعطى لا بالمعنى المادي. بمعنى الأمانة، مثلا إذا أعطيت شيئا أمانة يقال عهدت بهذا الشئ الي فلان أو عهد بالشئ الي الشئ.
سمي يوم الغدير يوم العهد المعهود لان يوم الغدير هو يوم تجلى الله سبحانه وتعالى باسمه الولى في هذا العالم لتنصيب أمير المؤمنين وليا. وظهور الله سبحانه وتعالى باسمه الولي في أولياءه هو نوع من النعمة والمن على ذلك الولي، ونوع من النعمة والمن على من يحيط بذلك الولي ويتابع ذلك الولي ويشايعه.
يوم الغدير يوم العهد المعهود لأنه اليوم الذي نزلت فيه الولاية من السماء الي الارض وعهد السماء الي الارض بالولاية أي أن الله عهد بولاية أمير المؤمنين الي الناس في هذا اليوم. وباعتبار أن السماء دائما لها جهة الفاعلية، والأرض لها جهة القابلية. أي أن السماء هي ذات الفعل، والأرض ذات القبول. سمي هذا الفعل الصادر من السماء بالعهد، لان السماء تعطي ولا تأخذ، والأرض تأخذ ولا تعطي، سمي هذا اليوم في السماء يوم العهد المعهود. الملائكة لا يعرفون يوم الغدير إلا انه اليوم الذي أعطت السماء فيه الارض الولاية.
أما من جهة الميثاق المأخوذ: فان الميثاق هو ما يؤخذ من ألامين أو المستودع للاستيثاق على ذلك الشئ الذي أعطي وديعة. فان الإنسان إذا استودع أخاه أمانة يأخذ منه وثيقة على ماله وملكه. والأرض أخذت من السماء العهد وهو الولاية. يوم الغدير هو اليوم الذي قام فيه رسول الله ليأخذ من الناس وثيقة على قبول الولاية. أي أن الولاية لم تتحقق بقوله: «من كنت مولاه». أمير المؤمنين كان وليا ورسول الله كل حياته كانت تبليغا في حق أمير المؤمنين. وهذا حديث الدار الذي كان يرويه علماء العامة والخاصة يدل على أن رسول الله ذكر: « أن عليا أخاه ووصيه من بعده». وهو في أوائل أزمنة التبليغ حتى في مرحلة السر. حديث الدار هو واقعة جمع رسول الله لبني عمه لتبليغهم بالأمر في تلك الآونة قال: « من يؤازرني على أن يكون أخي ووزيري ووصي من بعدي» حتى أن قريشا وبعض بني هاشم قالوا لا بي طالب: اصبح ابنك أميرا عليك.
رسول الله كل حياته الرسالية كانت تبليغا لحق أمير المؤمنين . يوم الغدير هو يوم الاستيثاق على ذلك العهد. هذا بالنسبة لأهل الأرض. فقوله:«من كنت مولاه» إنما هو من باب اخذ الوثيقة على الأمانة المؤتمنة عند الناس. هذا بالنسبة الي الاسم الذي نسب به يوم الغدير بالنسبة لأهل الأرض سمي بيوم الميثاق المأخوذ والجمع المسؤول. المسؤول عن أمانته ﴿ وقفوهم انهم مسئولون ﴾(الصافات، آية 24). مسئولون عن أمانتهم، مسؤلون ليظهروا علمهم الذي علمهم الله تعالى به.
ترتيب على هذا التحليل لهذه الأسماء بعض الخصوصيات منها:
أن ولاية أمير المؤمنين ليس لأحد فعل فيها غير الله سبحانه وتعالى. وجد نزاع بين المسلمين منذ صدر الإسلام الأول. هل أن الخلافة هل هي بالنص أو الشورى؟ ولعل البعض يفهم أن كون الخلافة بالنص، معناها أن الخلافة بتنصيب من رسول الله. وهذا الفهم خاطئ، ولا نقر به نحن الشيعة.
الذي يذهب اليه شيعة أهل البيت أن خلافة رسول الله هو بنص النبي المبين لحكم الله سبحانه وتعالى. بمعنى أن الخلافة حكم كما أن الصلاة حكم شرعي، فكما أن الله عز وجل اوجب على عباده أن يصلوا في اليوم والليلة خمس فرائض. يدعي الشيعة وهم على حق أن الله سبحانه وتعالى فرض على الناس طاعة علي ابن أبي طالب . غيرهم يدعون أن رسول الله ترك الأمة وهم في أمر مريج، لا ولي فيها مرشد لهم ليتآمروا ويتشاوروا فيما بينهم فيختاروا رجلا منهم. هذا ما يدعيه أولئك، وهذا ما يدعيه هؤلاء.
فالمقصود من أن الخلافة بالنص ليس أن الخلافة بجعل رسول الله ، بل المقصود بأن الخلافة بتنصيب من رسول الله بجعل من الله عز وجل. فالله هو الذي جعل عليا أميرا على الناس. نعم كيف نجمع بين هذا وبين من يقول أن الله فوض الي رسوله الأمر، ذلك مبحث آخر. الكلام هو أن الولاية مسندة الي الله سبحانه وتعالى أو الي رسوله من دون أن يكون لله اثر فيها. الصحيح أن ولاية أمير المؤمنين، الله سبحانه وتعالى هو الذي انزلها على نبيه، ويقسم الإمام الصادق في الرواية يقول: « والله لقد نزلت ولاية الله من السماء، من العرش». لان المسالة هو من جهة رسول الله، وهو لا يقول إلا الوحي، ولا ينطق عن الهوى.
والحديث الذي يفسر قوله تعالى: ﴿ سأل سائل بعذاب واقع ﴾(المعارج، آية 1). الذي يرويه ثلاثون من علماء السنة والعامة ومن كبار علمائهم، يرون هذا الحديث المفسر لسبب نزول قوله تعالى: ﴿ سأل سائل بعذاب واقع ﴾. يقولون أن رجلا جاء الي رسول الله فقال: بكل جلافة وكل سؤ أدب: يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله فشهدنا، وانك رسول الله، وأمرتنا بالصلاة والصيام والحج والزكاة ففعلنا، ثم لم ترضى حتى أخذت بضبع ابن عمك وقلت: «من كنت مولاه فعليا مولاه». فهل هذا من عندك، أم من الله. فقال: بل من الله. فخرج الرجل يقول: اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب اليم. فلم يضع الرجل رجله خارج المسجد حتى انزل الله عليه حجارة ضربته في رأسه فخرجت من دبره، فخر مغشيا عليه ميتا.
إذا كون يوم الغدير يوم العهد المعهود، يعنى أن ولاية أمير المؤمنين، عهد من الله عهد به الي نبيه، وعهد به نبيه الي الناس من دون أن يكون لأحد من الناس غير الله مدخلية في هذا الفعل إلا أن يكون رجلا مبلغا عن الله سبحانه وتعالى.
ما يرتبط بقوله: «اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه» جعل عليا محورا للولاية. بأي معنى أخذت هذه الولاية، وبأي معنى فرضنا الحديث فانه يفترض لعليا منزلة لا يشركه فيها احد من المسلمين قاطبة. كما اعترف بذلك بعض علماء العامة وهي أن عليا حبه فرض على الناس كلهم، ولا يمكن أن يفرض الله حب رجل يفارق الحق قيد أنملة. لان الله كما قد نص على ذلك في كتابه من فاتحة الكتاب الي سورة الإخلاص، نص على أن الحق ولا شئ غير الحق يحكم هذا العالم. ﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ﴾(المؤمنون، آية 71). والله سبحانه وتعالى يبين للناس شأن الحق في حق اعز الخلق يقول: ﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ﴾ (الحاقة، آية 44-46).
بعد كل هذا يأتي الله عز وجل ليفرض على الناس حب علي من دون أن يبين أن علي مع الحق أو ليس مع الحق؟ معناه أن عليا دائما مع الحق، وإلا كيف يفرض الله عز وجل ولايته أو محبته أو نصرته أو متابعته أو طاعته. بأي معنى فرضه هذا الحديث. يدل هذا الحديث على أن عليا معصوم. وهذا هو الذي يستفاد من بعض نصوص حديث الغدير. فان الذي رواه بعض الرواة أن رسول الله جمع في يوم الغدير بين حديث الثقلين وبين حديث الولاية. حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول الله: « إني رجل أوشك أن ادعى فأجيب، واني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا». فقوله: «من كنت مولاه فعليا مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه» يدل على العصمة بغض النظر عن حديث الثقلين.
ما يرتبط بقوله تعالى: ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾(المائدة، آية 3). هذه النعمة التي أتمها الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تلاحظ في إطار الدين لا كل النعم. فان هناك بعض النعم التي لم تتم. الله عز وجل وعد رسوله أن يفتح له القسطنطينية ولم تفتح إلا بعد وفاته. ووعده أن يظهر دينه على الدين كله، وفارس والروم موجودتان آنذاك تحكمان بقاع شاسعة من الارض. فأي نعمة أتمها؟ المقصود بالنعمة - نعمتي -، أخواني أخواتي تأملوا هذا التعبير: أتممت عليكم نعمتي، تأملوا تعبير القران الكريم عن نعمة الله: ﴿ الذين بدلوا نعمة الله ﴾ (إبراهيم، آية 28).هل يستطيع احد أن يبدل المال – وهو نعمة – الي كفر؟
ما النعمة التي تقبل أن تبدل الي كفر؟ النعمة هي الدين. في كل القران الكريم ورد هذا الأمر في الروايات:«نحن نعمة الله». التعبير بنعمة الله تعبير يدل على الولاية والدين، لا على كل النعم. ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ﴾ أي ولايتي. وهي التي وردت في الحديث:« ولاية علي ابن أبي طالب حصني». المقصود بالنعمة هنا الولاية، النعمة الخاصة لا كل النعم. هناك نعم كثيرة لم تتم في ذلك اليوم ولا يقصد بإتمام النعمة تحقيق أهم أسباب إتمام النعمة. الظاهر من الرواية أن الله عز وجل أتم النعمة تماما بحيث لم يبقى فيها شئ ناقص، وهذا لان أمير المؤمنين جعل وليا على المسلمين بعد رسول الله في المرتبة ألبعديه.
غرضي هو أن جعل أمير المؤمنين وليا سماه الله تعالى بإقرار علماء العامة قبل الشيعة سماه إكمالا للدين وإتماما للنعمة. الدين من الله تعالى هو التشريع ومن الناس الانقياد. إذا قال الله تعالى: ﴿ أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾ فمعناه أن الله رضي لنا الإسلام الذي افترض فيه إمارة عليا دينا للناس. أي شرع ولاية علي فرضا على الناس. هذا التشريع من الله تعالى مرضيا من الله، معنى رضا الإنسان عن تشريعه انه شرع. أنت تقول أنا أرضى بجعل عليا أمير، أي انك تجعل عليا أمير. إذا قال الله تعالى رضي لكم الإسلام دينا أي التسليم بمن؟ فقد جعل التسليم دينا والتسليم بعد الصلاة والحج والزكاة والجهاد ليس إلا الولاية بموجب الروايات المتواترة التي دلت على أن سبب نزول هذه الآية هو يوم الغدير.
فإذا تشريع الله تعالى دين مرضيٌ عند الله عز وجل. إذا انقدنا نحن الي أمير المؤمنين يصبح الإنسان المنقاد مصداقا لقوله تعالى: ﴿ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ﴾(الأنبياء، آية 28). فان الإنسان المنقاد يكون انقياده مرضيا لان الانقياد حينئذ دين وقد رضي الله تعالى الإسلام دينا. فإذا انقاد الإنسان لعلي فقد رضيه الله ورضي دينه.
الكلام هو أن الرضا بكل شئ بحسبه وان الالتزام بكل شئ بحسبه. فمثلا الالتزام بالصلاة يكون بإقامة الصلاة، وبالزكاة بإيتاء الزكاة، والجهاد يكون بإقامته، وبالمساجد ببناء المساجد. الالتزام بولاية أمير المؤمنين كيف يكون؟ يكون الالتزام بولاية أمير المؤمنين بإخلاص المودة التي تجامع التولي والتبري، ثم بمتابعة ومشايعة علي. هذا كله لان ولاية علي عهد الله سبحانه وتعالى الذي عهد به الي الناس.
وفي نهاية حديثي أحب أن أتطرق الي المسؤولية التي تترتب على ولاية أمير المؤمنين وعلى يوم الغدير بالنسبة الي المسلمين كافة. واقسم حديثي الي قسمين: قسم يتعلق بالمسلمين عامة، وقسم يتعلق بشيعة أمير المؤمنين.
القسم الاول: ما يترتب على المسلمين بشكل عام:
فإننا لا نداهن ولا نجامل، ولسنا مستعدين أن نتنازل عن متابعتنا ومولاتنا لأمير المؤمنين قيد أنملة، ولسنا مستعدين أن ننكر أننا نرى خطأ فاضحا جوهريا وقع في تاريخ الأمة الإسلامية عندما هُمش دور أمير المؤمنين وتأول بعض الصحابة واجتهدوا واخذوا ما ليس لهم بحق. هذا أمر لا يمكن أن ينكره إلا المنافق منا أو من غيرنا. أو ذاك الرجل الذي يكون مثل النعام، بل اسؤ من النعام الذي يدس رأسه في التراب مع أن الخلاف بين المسلمين في هذه النقطة مر عليه ألف وأربعمائة عام.
الكل يعلم أن هناك خلاف بين الشيعة وبين غيرهم. الكلام في كيفية معالجة هذه النقطة، فلنترك المزايدات، والمهاترات، ولنترك التجريح والشتائم، ولندرس التاريخ دراسة متأنية، موضوعية حتى يصلح أمر هذه الأمة، فانه لن يصلح أمرها ماداما عليٌ مظلوما. ولن تقوم لهذه الأمة قائمة إلا إذا أعطي عليٌ حقه وليس حق عليٍ يتطلب منا أن نسب خصومه أو أن نلعنهم ذاك أمر آخر. أنا أتكلم عن حق أمير المؤمنين.
ما هو حق أمير المؤمنين؟ البعض يقول: إن ما جرى بين الصحابة اجتهاد. فليكن اجتهادا. فليكن خصم علي قد اجتهد وتأول، وقد اجتهد عن حسن نية، ولكن أيجوز متابعة المجتهد المخطئ على خطئه؟
فلنغلق ملف الصحابة، وهو الاوفق لمصلحة المسلمين، والأمة في هذا العصر. فان هذا الملف لا يسقط بيد احد من أعداء الأمة إلا واستغله لتدمير هذه الأمة وتفكيك قوتها. نعم فليغلق هذا الملف. لكن فلندرس نقاط الخطأ التي أسس عليها هذا الملف، ولنصحح الأخطاء التي وقع فيها غيرنا. ولندع الله عز وجل بان يأجر المجتهد المخطئ , ويثيبه على اجتهاده. ولكن لندع الله أن يرزقنا معرفة الحق الذي حُجب عنه. أما القول بان فلان مجتهد ويجب متابعته بحيث يكون فعله مذهبا من المذاهب، هذا خطأ. هذا ما يقول عنه أمير المؤمنين: «فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول حتى صرت اقرن الي هذه النظائر». أي امة تقوم لها قائمة إذا قيل علي ومعاوية!
علي الضارب بالسيفين، الطاعن بالرمحين، والمهاجر الهجرتين يسوى بينه وبين صحابي اسلم وحسن إسلامه كما يقال، ولم يجاهد بين يدي رسول الله في حرب واحدة، أي امة؟ لا بد من تصحيح هذا الوضع نحن لا نقول أن الصحابة فيهم وفيهم، اتركوا الصحابة وشأنهم. ﴿ الله يحكم بينكم يوم القيامة ﴾ (الحج، آية 69). ولكن لا بد من تصحيح الخطأ. لا بد من إعطاء علي المنزلة التي يستحقها. هو عبد الله واخو رسوله، لا يقولها غيره إلا كاذب، لا يستطيع احد من الناس أن يقول هذا المقال إلا أمير المؤمنين: اخو رسول الله، وليشرق وليغرب كل من شاء في تفسير هذه الكلمة. اخو رسول الله من غير نسب.
القسم الثاني: ما يترتب على شيعة أمير المؤمنين:
الشيعة الآن أصبحوا مرموقين للقاصي والداني، وأصبحت مكانتهم واضحة وظاهرة للعيان، وأصبحت الاستحقاقات التي سعى أهل البيت لقرون طويلة جدا تظهر بشائرها وبوادرها في هذا العصر. بحيث اعترف القاصي والداني للشيعة بالحكمة والتعقل والروية وانهم قد غمطت حقوقهم وانه ينبغي إنصافهم. وها نحن نعيش ولله الحمد هذه البوادر واصبح غيرنا يرى أن الشيعة هم فرس الرهان. هنا يقع الشيعة في امتحان صعب يتطلب منهم التأمل والتروي والتاني في الخطوات التي يتخذها أفرادهم في كل موقع من مواقع حياتهم بل في كل لحظة من لحظاتهم. كل فعل يصدر من الشيعة الآن له قيمته. ولكل فعل ردة فعل، ولك فعل أسباب ولكل فعل مسببات. وهذا الحديث متسع الأطراف ولا يسعني أن أتطرق الي كل تبعاته وأذياله، لكن احب أن أتطرق الي شئ بشكل مختصر جدا هو قضية إصلاح المذهب إذا صح التعبير وليس بصحيح أي الإصلاح الطائفي.
نحن نجد أن الشيعة في كل مكان من أمكنتهم يتصدى لشؤنهم العامة بعض أفرادهم، نسأل الله عز وجل لهم التسديد والتوفيق. وكل شخص يتصدى للشأن العام عند الشيعة يجد نفسه تحت ضغوط الواقع. فهناك ضغط لواقع إقليمي، وضغط لواقع محلي، وضغط لواقع مذهبي، وضغط لواقع سياسي، وضغط لواقع تاريخي، وغير ذلك. وكل إنسان له توجه، له أطروحة، وله تفكير، وله قراءة، وله فهم.
هنا احب أن انوه الي أن المصلح عليه أن يتريث ألف مرة في ما يطرح لتأسيس أوضاع الشيعة. فان عليا أول طائفتنا ولوجا واندماجا في الواقع العام آنذاك، أي انه بعد أن بين دعواه وبعد أن اظهر حقه وبعد أن أقام الحجة على الناس اصبح يمارس حياته كفرد من المسلمين بل اصبح ينصح خلفاء الوقت للحفاظ على مصلحة الأمة الإسلامية، وفي نفس الوقت كان علي يمارس دوره كرجل مستقل على الصعيد الفكري من دون أن ينزل قيد أنملة عن شئ من أفكاره وتوجهاته.
وليس المقصود أن هناك من المصلحين من ينادي الي ضرورة التنازل عن حكم من أحكام الله لتأسيس وضع من أوضاع الشيعة، لا يوجد مثل هذا الطرح بحمد الله. لكن قد يوجد من المصلحين من يدعي أن الفكرة التي يقال أنها حكم من أحكام الله سبحانه وتعالى تصطدم مع مصلحة الوقت وبالتالي لا يمكن أن أهل البيت يريدون هذا الحكم.
المشكلة تكمن في أن فهم هذا الإنسان للأحكام يقوم على أساس قراءة الدين بمفاهيم متأثرة بثقافات أخرى.
الذي أريد أن أقوله أن المصلح لا بد أن يكون مؤسسا لفكره على فكر أهل البيت الأصيل. لان أهل البيت هم الدين، هم مصدر الدين. نحن نعتقد أن الدين لا يؤخذ إلا من أهل البيت. وان أهل البيت هم اعرف الناس بأقوال رسول الله، ولا يمكن أن يكون المصلح قادرا على التعامل مع هذا الشأن العام الحيوي الآن في ظل هذه الضغوط القوية جدا مع كونه بانيا ومؤسسا على أساس ثقافات أخرى.
لا بد من أن يكون الإنسان مستقبل ومتلقي من أهل البيت، ثم يأتي دور الحكمة ودور العقلانية ودور التأمل ودور التريث ولابد من ذلك. نحن ضد التطرف ونحن ضد المجاهرة بما يسئ الي مشاعر الآخرين. أخواني أخواتي يقول أهل البيت: «مذيع سرنا كقاتلنا جهرا عمدا لا سهوا». هذا يقتل أهل البيت عمدا، وهناك من يقتل أهل البيت باسم أهل البيت عندما يقول إن أهل البيت بريئون من فلان وفلان، ومن هذه الفكرة أو تلك.
كيف لم يتبرأ من هذه الفكرة وتلك. هل وصلت الي مقام علمي يعطيك الحق؟ لإبداء وجهة نظر في المذهب؟ لا بد من التأمل والتريث، ليس الإصلاح السياسي الآن بمعزل عن القدرة الاجتهادية.
انظروا الي شيعة العراق، لم يستغنوا لحظة من اللحظات عن قوة المرجعية العلمية. وهل المرجعية استطاعت أن تبحر بسفينة الشيعة الي بر ألامان عن طريق الإعلان والدعاية والظهور ألتلفازي، أو في الجرائد والمجلات؟
السيد السيستاني حفظه الله تعالى، لا يوجد من هو اقل منه ظهورا على التلفاز. لكن انظروا الي الحكمة والعقلانية في التعامل. تعرفون كم عمر هذه الحكمة؟ عمرها ألف وأربعمائة عام. وإذا بالشخص ينفرج له باب ويندفع نحو ذلك الباب وهو لا يتعدى من العمر السياسي عشرين سنة، ويدعي بعد ذلك أن الشيعة يعيشون التخلف وانهم دائما يزوون أنفسهم عن الإعلان، وأنهم هم الذين ساهموا في عزل أنفسهم، وأنهم فرطوا في حقوقهم.
هذا ظلم كبير للشيعة، عندما يقال أن أمير المؤمنين هو الذي ظلم نفسه. خمس وثلاثين سنة، قضى ثلاثين سنة منها أمير المؤمنين منعزل عن الناس لا يحضر إلا إذا استدعي، ولا يقصر في النصيحة، ويصلي ويصوم ويعاشر المسلمين ولكن مع ذلك يدرس سلمان وأبا ذر وعمار، وإذا وجدنا عند هؤلاء الفكر فإننا لا نجد عندهم إلا الفكر الذي لا يحتمله غيرهم، بل في الرواية لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله.
نسأل الله عز وجل لنا ولكم التسديد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.