وأين صاحبي "منير*"؟!
اليوم هو 7 نوفمبر، حيث يُكمل منير باقر الجصاص سنة كاملة خلف القضبان دون توجيه تهمة رسمية له ودون إجراء محاكمة علنية أو تعيين محامي للدفاع عنه، وقد اعتقل منير حسبما هو متداول على خلفية كتاباته حول أحداث البقيع، ومطالبته بحرية الشيعة في تعبدهم على مذهبهم. هل هو وطن حقيقي هذا الذي تتسع فيه جدران السجون وتضيق فيه سماء الحرية؟
لا ينكر وقوع التمييز الطائفي ضد الشيعة في السعودية إلا من له مصلحة من هذا الإنكار.
في ما يسمى بمملكة الإنسانية، لا يحق للشيعي أن يطالب بحقوقه الإنسانية في التعبير عن إنتمائه المذهبي، وقد فشلت فتاوى الكراهية والتحريض على القتل من قِبل رموز المذهب السلفي في تغيير عقائد الشيعة، وستفشل فيه مجدداً.
الخوف من العقاب ربما يفسر الصمت أحياناً من قبل بعض المواطنين الشيعة على هذا التمييز الطائفي، فلا يعلن المواطنون شكواهم كي لا ينكل بهم ويزج بهم في السجن. وقد يخشى بعضهم ان ينقل من وظيفته الى وظيفة اخرى او موقع آخر لا يرتضيه او يشكل صعوبة بالنسبة اليه. ومثل هذه الخشية مبررة لأن بعض ما يخشى منه قد وقع فعلا لاخرين.
ومن امثلة التمييز الطائفي ما حدث لإمتثال عبد العظيم أبو السعود في 2008 التي نقلت بقرار تعسفي طائفي من وظيفتها بالرغم أنها لم تخل بأي من واجبات عملها، او كما حدث وفصل موظفون في شركة الطيران والفضاء البريطانية - السعوية حيث لم يُجدد لهم عقد العمل على خلفية أحداث البقيع 2009. وقد وصل التمييز الطائفي حد القتل كحادثة الشهيد صادق عبد الكريم مال الله، الذي اعدمته السلطات بأمر من مشايخها بحجة انه ارتد واعتنق المسيحية وذلك في 6/3/1413هـ (الموافق 3/9/1992م) ، رغم ان الشاب اعتقل وهو لما يبلغ الخمسة عشر عاماً.
ان الكثير من التهم التي توجه للافراد الشيعة كما للمجتمع الشيعي بشكل عام، انما هي مدفوعة بخلفيات طائفية، لذا فهي تهم ملفقة في الاساس، وتجري المحاكمات التي يديرها مشايخ وقضاة طائفيون بسرية وبدون وجود محامين عن المتهمين، وفي الغالب يكون الحكم تعسفيا جائراً .
ليس من حق المواطن الشيعي أن يطالب بحقوقة و يعبر عن مظلوميته، فتتراكم صور الماساة وتتزايد المعاناة ويصبح المجتمع الشيعي برمته غاضبا كالجمر تحت الرماد ينتظر الفرجة حتى يهب وينفجر، ويظل الشحن الطائفي ضد افراده بمثابة قنبلة موقوتة تنبئ بالإنفجار في أي وقت.
في أغلب الأحيان يكون رد الفعل من قبل الشيعة على التمييز الطائفي فردياً، بمعنى أن من يقع عليه التمييز هو وحده من يعبر عن مظلوميته، سواء بطريق مباشر الى السلطات او عبر الإنترنت إن كان يخشى الحديث المباشر، ولذا يجد الكثير من المظلومين في الإنترنت ضالتهم في التنفيس عن قهرهم، بدون ان يضطروا لاستخدام اسمائهم الصريحة. ذلك ان جهاز المباحث يرصد في كثير من الاحيان أصحاب هذه الشكاوى ليبدأ بإستدعائهم أو إعتقالهم تعسفياً، ثم يبدأ مسلسل الإستجواب والسجن وينتهي عادةً بكتابة تعهد بعدم تكرار التظلم كشرط للخروج من السجن او لايقاف التحقيق.
إن ردات الفعل الفردية على الاحداث هي الأكثر وقوعاً، أما ردات الفعل التي تتخذ الطابع الجمعي فقليلة، ويمكن في بعض الاحيان ان يتحول رد فعل فردي الى رد فعل جمعي بسبب طبيعة الحادثة وتوقيتها ومكانها والفرد الذي يتعرض للضرر منها، حيث يستثار الجمهور من كون الضحية طفلا او امرأة. كل هذه الأمور تدفع بتحويل الحادثة الى حادثة متميزة وتتطلب رد فعل جماعي بدل ان يكون رد الفعل فرياً.
حادثة البقيع التي وقعت في العام الماضي والتي إنتقلت تداعياتها من المدينة المنورة إلى المنطقة الشرقية كانت شرارتها قد جاءت رداً على الإعتداء الجسدي والإهانة اللذان تعرض لهما الزوار الشيعة في البقيع خاصة النساء منهم. فكانت ردة الفعل نزول التظاهرات في الشوارع وظهور الكتابات في الإنترنت تعبيراً ليس فقط عن الإهانة التي تعرض لها زوار البقيع بل كانت تعبيراً عن تراكمات لضغوط طائفية سلطوية متواصلة حقيقية يكاد لا يخلو بيت شيعي إلا وله تجربته الخاصة معها. ولهذا فإن المجتمع تفاعل مع حادثة البقيع بقوة تعبيراً عن الغضب المكبوت منذ زمن طويل لرفع التمييز الطائفي.
ان التمييز الطائفي يخلق المشاكل للحكومة والمجتمع ايضاً. ولا يمكن ان يؤدي التمييز الطائفي الى ما تتمناه السلطات سواء كان تمنيها فرض المذهب الوهابي على الشيعة، أو إخضاع الشيعة بالقوة سياسياً للنظام. التمييز لا يحل اي من المشكلتين هاتين.
الفكر لا يُقارع إلا بالفكر، أما تكميم الأفواه فلم يعد في هذا الزمان ممكناً، ولا حتى الإعتقال هو الحل لإيقاف تظلمات الشيعة، لأن رفع هذا التمييز الطائفي أصبح ملحاً والمطالبة بحق العيش بكرامة صار صوته أعلى.
لن يغير الشيعة معتقداتهم بالقوة، ولن ينجح مشايخ الوهابية في ثنيهم عن التعبير عن معتقدهم، لأن زمن تضليل الناس وإخفاء الحقائق وإحتكار الإعلام قد ولى. وأصبح للشيعة طرق اخرى يعبرون فيها عن إنتمائهم المذهبي في الفضائيات والإنترنت.
لم يتوقف الشيعة يوماً ما عن المطالبة بحقوقهم ولن يتوقفوا ما لم يحصلوا عليها كاملة كأي شعب او مجتمع آخر.