الشخصية الاتكالية
تُعرّف الشخصية الاتكالية في معجم علم النفس بأنها: الحالة التي يتوقع فيها الفرد المساعدة من الآخرين، أو يبحث بنشاط عن الدعم العاطفي والمادي، وكذلك الحماية والرعاية اليومية. والشخص الاتكالي يعتمد على الآخرين في التوجيه، وفي اتخاذ القرار، وفي الإعالة.
عند معايشة الشخصية الاتكالية على أرض الواقع وعلى أي صعيد، سوف تنكشف لك بوابة الجحيم معه؛ لأنه، وبكل بساطة، شخصية متجردة من كل المشاعر الإنسانية، بل هي فارغة من القيم الأخلاقية والإنسانية. وهذا يكفينا تعريفًا بها وبخطورتها. ويُفهم أنها شخصية تميل بكل جوانبها إلى الحالة الأنانية، وإلى منظومة ”الأنا“ السوداوية، مما يسهل لها القيام بأي شيء لأجل الدفاع عن نفسها، لكي تحمي نفسها، وتبقى ”الأنا“ هي المسيطرة والمتغلغلة في أعماقها، دون زعزعتها من أي أحد كان. وهذا يُعد نوعًا من الأمراض النفسية غير الظاهرة عند أصحاب الشخصيات الاتكالية، وفي الغالب تُكشف مع المعاشرة أو الاحتكاك بها.
هذا تعريف علمي مختصر عن الشخصية الاتكالية، وبدوري سوف أسلط الضوء عليها من خلال تجارب عايشتها مع عدة شخصيات مختلفة تحمل هذه الصفة المذمومة، وهي الاتكالية، وسوف أحاول أن أجمع السمات التي اجتمعت فيهم.
لا أظن شخصًا لم يصادف في حياته شخصية اتكالية أو اعتمادية، سواء بين عائلته أو خارجها، وقد تكون في مواطن متعددة من حياة الإنسان. مرور شخصية اتكالية أو اعتمادية في حياتنا أمر طبيعي، باعتبارها واحدة من مكونات المجتمع الذي يعيش فيه أي إنسان. ولكن قد تتفاوت النسبة بينهم، بين من هم اتكاليون مئة في المئة، ومن هم تحت معدل هذه النسبة. أي إن هذه الصفة متفاوتة من شخص لآخر أو متقاربة. والناتج أن هذه الشخصيات الاتكالية المذمومة تعيش في وسط كل مجتمع بشري.
حسب معاشرتي المباشرة، وتتبعي، وقراءتي عن هذه الشخصية الاعتمادية، يتبين أن العامل الأول في تأسيسها هو النشأة والتربية، التي عاشتها في الأسرة تحت سقف من الدلال والترف المفرط، واعتادت على تلبية طلباتها بكل سهولة، دون محاسبة أو مراقبة. ولهذا تغلب عليها الطابع الاتكالي المرضي.
وللشخصية الاتكالية سمات متعددة يمكن التعرف عليها، منها: الاعتماد المبالغ فيه على الآخرين، الشكوى الدائمة، توهّم المرض للاستعطاف وكسب المزيد من الدعم، عدم القدرة على تحمل المسؤولية، الارتباك البادي على شخصيتها في الأداء المهني والاجتماعي، ضعف في بناء علاقات اجتماعية مستقلة ووثيقة، إشعار الآخرين بأنها بحاجة إلى دعم وإسناد دائم، الخوف الشديد من كل كبيرة وصغيرة تواجهها في الحياة، الحساسية المفرطة من كل الصغائر، فضلًا عن الكبائر والأخطاء الجلية والواضحة. ومن هذه السمات أيضًا: سوء الظن الذي يرافق الشخصية الاتكالية، الكذب، الحالة الأنانية، والعلاقات النفعية المجردة من المشاعر الإنسانية.
إن مثل هذه الشخصيات يصعب بناء علاقات طويلة معها، وفي الحقيقة، البعد عن هذا النوع من الأشخاص يُعتبر غنيمة. بل، غالبًا، هم - الاتكاليون - من يحاولون الهروب من أي علاقة تم التجرد النفعي منها؛ لأنه - في ظني - أي علاقة مع الشخصية الاتكالية لا تتولد منها مصلحة شخصية له، فهي علاقة غير قابلة للاستمرارية، ولهذا يسارع إلى إنهائها بشكل أو بآخر.
كما أني أُشبّه الشخصية الاتكالية بالأطفال الأبرياء الاتكاليين، الذين تعودوا على الاعتماد على أمهاتهم وآبائهم بالدرجة الأولى، وعلى الآخرين بالدرجة الثانية. ولكن، الفارق بين الأطفال والشخصيات الاتكالية أن الأولين غير ناضجين ولا قادرين، بينما الشخصيات الاتكالية التي نعنيها هم كبار وراشدون وقادرون. والفارق الثاني بين الشخصيتين أن الأطفال في بداية مراحل تكوينهم، واعتمادهم على الآخرين أمر طبيعي ومقبول، وذلك بحكم التكوين الطبيعي لمراحل الإنسان، حيث يحتاجون المساعدة. أما الشخصية الاتكالية، فهي عاجزة عن القيام بالمهمات المطلوبة منها، رغم كونها بكامل إمكاناتها العقلية والجسدية. إلا أن العامل الرئيس في استمرار الحالة الطفولية معها حتى الكبر، هو وجود من يغذي هذه الحالة لديها، سواء من محيط الأسرة أو من خارجها، ويصور لها وكأن الأمر سيّان عندهم، سواء كنت طفلًا أو رجلًا، فطلباتك مجابة، ورغباتك محققة، وما تقوله فهو الصواب الذي لا يُشق له غبار.
من هنا نقول: الحذر، ثم الحذر من التعامل مع مثل هذا النوع من الشخصيات؛ الاتكاليين، الاعتماديين، والنفعيين. وإن صادفتها خلال مسيرتك الحياتية، وبالذات في بيئة عمل واحدة، بصفة زميل أو رئيس، فكن يقظًا منها في كل الأوقات. فقد تفاجئك بضربة قاضية مباغتة، تأتيك من حيث تعلم أو لا تعلم. بل توقّع منه دائمًا الأسوأ، ولا تأمنه إطلاقًا، وإن أظهر أمامك ابتسامة صفراء. فهذه الشخصية النكرة، وغير الإنسانية، لديها مهارة عالية في التصنّع، وعلى مستوى عالٍ جدًا في إظهار ما تُخفيه في أعماقها المظلمة والسوداوية.