الرادود.. وروح القدس

مقدمة/ أنا والرادود

كانت جدتي لأبي رحمها الله تكنيني ب ”أبي فلان“ بسم أحد الرواديد لحبي الشديد لذلك للرادود الكبير في أيام مراهقتي التي تتسم بالبحث عن رموز لتنتمي إليها لتشبع حاجتها وتتعلم منها. بحمد الله ومنِّه أن كان في بيئتي يرفل صوت الحسين طارقاً أسماع الجدران قبل الآذان بصوته الرخيم وروحيته الصافية والجذابة التي تتسلل من أشرطة ”الكاسيت“ لتتغلغل في قلوبنا الغضة وروحنا اليافعة كما هو حال دور المؤمنين أعزهم المولى بوليه. لقد شاطرت كثير من أشبال ذلك الزمان الحب الحسيني والتتبع لإصدارات/مجالس الرواديد العزائية والفرائحية/الموالد حتى أننا كنا لا نمل من سماعنا لأشرطتهم نتنقل من شريط/كاسيت لأخر حتى حفظنا القصائد عن ظهر قلب. كان الحسين حاضراً في حدائقنا الولائية من خلال الحناجر الذهبية قبل ولادتي مجاوراً لأشرطة الخطباء الكبار حيث أذكر أن بعض الأشرطة تعود لعام 1404 هـ وأذكر الشريط جيداً.

كان الشريط/الكاسيت صديقنا ورفيقنا الذي نتعلم منه الكثير من خلال الصوت وذلك لندرة أشرطة الفيديو التي كنا نتلقفها وكأنها كنز لننظر إلى أصحاب ذلك الصوت الحسيني. وأذكر أن قلبي يكاد يخرج من صدره حباً وسعادة برؤية أحد الرواديد، كما هو الأشبال مع المشاهير الأن. ولازالت هذه العلاقة مستمرة من خلال الوسائل الحديثة ففي كل يوم نشنف أسماعنا بطعم صوتهم ولحن كلمات الشعراء التي كانت ولازالت علاقة مقدسة لأن حبل الوصال فيها هو الحسين فليس هناك أي صلة أخرى لا شخصية ولا تواصل عبر طرق أخرى فهذا هو الحسين وهذه فيوضه المباركة من نحره الطاهر إلى نهاية المدى.

الدعاة.. وروح القدس

من الروايات المشهورة عن النبي قوله لحسان بعد إلقائه قصيدة غدير خم:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخمٍ فأسمع بالرسول مناديا

الطاهرين المجتبيين: ”يا حسان لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك“ «1» ومن المعلوم أن الشعر في عصر النبي وما قبله وما بعده أداة إعلامية للدفاع والفخر والتحفيز وما إلى ذلك من أغراض الشعر لكل قبيلة وبالتالي للدين الحنيف أصبح كذلك حيث كان الشعر يفعل فعل السيف والرمح والسهم كما نقل في التاريخ.. ومفردة ”نافحت“ توجز ذلك. واليوم تعددت الوسائل عموماً وما يهمنا هو ما يحسب شرعاً أنه أداة دعوة للنبي وآله ”إعلام محمدي، حسيني جعفري“ وصوره اليوم المنبر الحسيني الخطابي والمجلس العزائي ومجالس الإنشاد الولائي في أفراحهم وغيرها الكثير الكثير فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق. فانطلاقاً من العنوان نركز على دور الرواديد المهم في هذه الأيام.

هناك صور كثيرة تنقل من الخطباء والرواديد والشعراء وغيرهم من خدمة أهل البيت صور من لطف إلهي يسددهم لفعل أمور في الخدمة لم يكونوا مخططين لها وبعضها لا يعلم من أين استفادها.. لعلها صور من تسديد روح القدس التي أشير إليها في الحديث الشريف. أذكر أن أحد فضلائنا الخطباء ذكر قبل عدة سنوات أنه على المنبر كثيراً ما تحصل مواقف لذكر نقاط تفيد المستمعين لم يكن في الحسبان ذكرها ولم يتم التحضير لها - وهي صحيحة طبعاً - وما ذاك إلا تسديداً ولطفاً إلهياً.. لعله عن طريق روح القدس. ومؤخراً في حديث مع بعض الأصدقاء الرواديد والشعراء اتفقت كلمتنا على ذلك فهذا واقع وإن لم يمكننا إثباته بالحس وقطعاً أن ذلك هو بركة ذكر النبي الطاهرين وصدق نية من المتصدي.

روح القدس من هو؟

في تفسير الأمثل ذكر ثلاثة أراء للمفسرين عن معنى روح القدس وهي كالتالي:

الرأي الأول/ المقصود به جبرائيل ”وشاهدهم على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ. ووجه تسمية جبرائيل بروح القدس، هو أن جبرائيل ملك، والجانب الروحي في الملائكة أمر واضح، وإطلاق كلمة «الروح» عليهم متناسب مع طبيعتهم، وإضافة الروح إلى «القُدسِ» إشارة إلى طهر هذا الملك وقداسته الفائقة“.

الرأي الثاني/ المقصود به "القوّة الغيبية التي أيّدت عيسى ، وبهذه القوة الخفية الإلهية كان عيسى يحيي الموتى. هذه القوّة الغيبية موجودة طبعاً بشكل أضعف في جميع المؤمنين على اختلاف درجة إيمانهم. وهذا الإِمداد الإلهي هو الذي يعين الإنسان في أداء الطاعات وتحمل الصعاب، ويقيه من السقوط في الذنوب والزلات. من هنا ورد عن رسول الله قوله لحسان: «لَنْ يَزَالَ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا» وقول بعض أئمة أهل البيت لشاعر قرأ أبياتاً ملتزمة: «إِنَّمَا نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلى لِسَانِكَ».

الرأي الثالث / المقصود به «الإِنجيل»

ثم يعقب الشيخ الشيرازي دام ظله قائلاً: ”ويبدو أن التّفسيرين السابقين أقرب إلى المعنى“. لعلي أميل إلى أنه يمكن القول أن مما يحصل للدعاة إلى طريق محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هو تسديد خصوصاً إن لم يكن هناك أسباباً ظاهرية والشواهد على ذلك حاضره لدى الجميع فلا حاجة لأكثر من هذا المقدار والشعراء والرواديد من هؤلاء المؤمنين الذين يبذلون جهوداً قديرة في خدمة أهل البيت ".

الرادود الحسيني من هو؟

المفروض أن المعروف لا يُعرف ولكن لظهور بعض الحالات التي تدعي أنها مصداق/مثال/نموذج للرادود الحسيني - بظهورها بصور مجالس اللهو على منصة اليوتيوب وغيرها - أعرفه «من وجهة نظري ولعل للأخرين تعريفٌ أخر» هو من يقوم بقراءة الشعر الولائي بهدف التأثير على المؤمنين بطور يتوافق مع مجالس أهل البيت ”الرثائية / العزائية أو المديح/الأفراح“ وفقاً للأحكام الفقهية بحيث لا تسيء للمنبر الحسيني ويتمتع بأخلاق إسلامية في تعامله مع المجتمع ليعكس صورة حسنة عن المذهب. من المؤسف أن نرى متلبسون بلباس الرادود وهم يقدمون ذكر أهل البيت في قوالب غنائية وقفةً وتسريح شعر ولبس والبعض أظنه يعاني من الازدواجية في شخصيته فكما ينشر في منصته مقاطع ولائية يقدم مقاطع غنائية.. فمن المسؤول عن إيقاف هؤلاء الذين يميعون معنى وقدسية الرادود الولائي؟

الإنشاد الولائي.. طور وشعر

الدور الجوهري للرادود من خلال العزاء الحسيني والأفراح المحمدية هو الطور الذي ينسجه للأبيات ليبعث فيها روحاً حزيناً أو فرائحياً متوافقاً مع أهل البيت وأما الشعر فهو دور الأدباء/الشعراء خصوصاً في هذه الحالة التي يوجه فيها الخطاب للنطاق الأوسع. وإن كان للرادود معرفة في هذا المجال إلا أنه لا يمكن أن يعطي هذا الدور حقه ولا يمكن أن يستغنى عن دور الأدباء النقاد في مراجعة القصائد وذلك لقداسة الرسول وآله وبالتالي لزوم صفاء أداتنا التي ندعو بها إليهم من الشوائب المنفرة للناس خصوصاً لأهل الاختصاص والخبرة والذوق الشعري. فليس من المقبول أن ينفرد أي شخص بهواه أو ميوله بالحديث عن أهل البيت عن طريق أدوات فنية ليست على معايير ذلك الفن «الشعر فن بحسب علم المنطق» سواء كان شعراً أم رسماً أم تمثيلاً وكذا الطور «أو اللحن» خصوصاً إذا ما كان الحديث على الفضاء الأوسع.

بوح

إن الله تبارك وتعالى حصن طريق الوحي من السماء إلى قلب النبي الأقدس الطاهرين.. فلنقتدي ونحصن جميع الوسائل التي تدعو لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لنقدمها بصورة ”عقائدية.. فقهية.. أخلاقية.. حضارية“ سليمة.

أيها الرادود العزيز.. أنت قدوة للأشبال وغيرهم فسمو بهم إلى حيث السمو محمد وآله .

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 37 - الصفحة 150 _ موقع المكتبة الشيعية