علي الأكبر ونموذج الشباب الناجح

اهتمَّ الإسلام بالشباب اهتمامًا بالغًا، فكانوا محورًا أساسيًا في بناء المجتمع الإسلامي وتقدّمه. ولعلّ ذلك يتجلى في الروايات العديدة التي حثّت على استثمار هذه الفئة في كل ما يسهم في نهضة الأمة. فقد قال رسول الله : ”أوصيكم بالشباب خيرًا، فإنهم أرقّ أفئدة، إن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا، فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ“.

ومن هنا كان الشباب محور التغيير، وأساس البناء الحضاري، فهم أكثر الفئات استجابةً للحق، وأسرعهم تبنّيًا لقضايا العدل والإصلاح، كما أكّد الإمام الصادق حين أوصى تلميذه مؤمن الطاق بقوله: ”عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير“.

مميزات سن الشباب

يتميّز سن الشباب بخصائص استثنائية تجعله القوة الفاعلة في المجتمع، فهم يمتلكون الطاقة المتجددة، الطموح اللامحدود، حب المغامرة، الإصرار على تحقيق الأهداف، والقدرة على التطوير والتجديد. كل هذه الميزات تجعل الشباب أهلًا لتحمّل المسؤولية وقيادة التغيير في مختلف المجالات.

علي الأكبر قدوة الشباب

كل إنسان في رحلته بالحياة يحتاج إلى قدوة يُقتدى بها، يستنير بنورها، ويسير على خطاها. فالقدوة هي التي تحفظ الطاقات، وتوجّهها نحو البناء والتقدّم، بدلاً من أن تتبدّد في مسارات لا طائل منها.

وفي هذا السياق، يبرز علي الأكبر بوصفه نموذجًا متكاملًا للشباب الواعي، فقد كان مثالًا يُحتذى به في الإيمان، والشجاعة، والبصيرة النافذة. ويُجسّد الحوار الذي دار بينه وبين الإمام الحسين في طريقهم إلى كربلاء قمّة هذا الوعي والإخلاص:

قال علي الأكبر: ”يا أبتِ، لا أراك الله سوءًا! ألسنا على الحق؟“

فأجابه الإمام الحسين : ”بلى، والذي إليه مرجع العباد!“

فقال علي الأكبر: ”فإننا إذن لا نبالي أن نموت محقّين!“

هذا الحوار يكشف لنا عن شخصية استثنائية تميّزت بعناصر النجاح الحقيقية، ومن هذه العناصر:

1 - تشخيص الهدف

من مقوّمات النجاح الأساسية أن يكون الإنسان قادرًا على تشخيص الحق، ومن ثمّ التوجّه نحوه دون تردّد. لقد كان علي الأكبر على قدرٍ عالٍ من المعرفة والبصيرة، ما جعله يدرك أن الوقوف إلى جانب الإمام الحسين هو الهدف الأسمى الذي يستحق التضحية.

وهكذا، فإن كلّ شاب يطمح إلى النجاح لا بد أن يمتلك وضوحًا في الرؤية، وهدفًا محددًا يسعى إليه بكل إصرار وجدية.

2 - الثقة بالنفس

الثقة بالنفس هي العمود الفقري لكل إنجاز عظيم، وهي التي تمنح الإنسان القدرة على مواجهة التحديات دون تردّد. والثقة الحقيقية لا تأتي من فراغ، بل هي نتاج الإيمان بالذات، والتمسّك بالقيم، والاستعداد الدائم لتحمّل المسؤولية.

لقد كان علي الأكبر مثالًا للشاب الواثق من نفسه، الصامد أمام الصعاب، العارف بإمكاناته وقدراته، فلم يتردد لحظةً في الوقوف إلى جانب الحق، حتى لو كان الثمن هو الحياة ذاتها.

وهكذا ينبغي لكل شاب أن يبني ثقته بنفسه، ويؤمن بقدراته، ويوظّفها في طريق الخير والإصلاح.

3 - الحماس الحكيم

الحماس هو الوقود الذي يدفع الإنسان لتحقيق أهدافه، لكنه إن لم يكن مقرونًا بالحكمة، فقد ينحرف إلى تهوّر واندفاع غير محمود.

كان حماس علي الأكبر حماسًا واعيًا ومدروسًا، فلم يكن اندفاعه مجرد عاطفة جياشة، بل كان حماسًا نابعًا من إدراك عميق لحقيقة المعركة، ووعي تام بضرورة الوقوف مع الإمام الحسين .

وهذا ما يحتاجه الشباب اليوم؛ حماسٌ مسؤول، متزن، يُسخّر الطاقات في سبيل البناء والتغيير الإيجابي، وليس مجرد اندفاع عاطفي قد يقود إلى نتائج غير محمودة.

4 - الدور الحيوي في المجتمع

الشباب هم روح الأمة، وعصب المجتمع، وقادة المستقبل، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض دون أن يكون لشبابه دور فاعل في رسم ملامح التغيير.

لقد جسّد علي الأكبر هذا الدور بأروع صوره في واقعة الطف العظيمة.

وهذا درسٌ لكل شاب طموح يسعى لبناء مجتمع أفضل؛ أن لا يكون متفرجًا على الأحداث، بل مشاركًا فاعلًا في صناعة المستقبل، ملتزمًا بدينه، واعيًا بمتطلبات عصره، مؤمنًا برسالته في الحياة.

ختامًا

علي الأكبر ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو قدوة حيّة لكل شاب يسعى للنجاح والتغيير. ومن خلال الاقتداء به، يمكن للشباب اليوم أن يبنوا مستقبلًا أكثر إشراقًا، مستلهمين منه وضوح الهدف، الثقة بالنفس، الحماس الواعي، والالتزام بدورهم في المجتمع.

فالنجاح ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو ثمرة جهدٍ صادق، وإرادة قوية، وسيرٍ ثابتٍ على طريق الحق.

أخصائي التغذية العلاجية