الوحدة وعي وسلوك
التمزق والتفكك والتفرق، عناوين اكتشف العالم فسادها ومخالفتها للنمو والتطور والتقدم والازدهار، فبعد عشرات السنين من العمل على إذكاء روح الفرقة وتنمية عواملها المختلفة، الجغرافية والعرقية والدينية والمذهبية، وغيرها، عادوا للتوحد والتكتل حتى بات هذا العصر عصرا للتكتلات والاتحادات.
ونحن وإن كنا لا نتفق تماماً مع منطلقاتهم وغاياتهم إلا أننا نرى أن الاتحاد من الأمور التي يرتضيها الطبع السليم نظراً لما فيه من تجميع القوى والطاقات بمختلف أنواعها، مما يؤدي إلى مضاعفة الإنتاج ومتانة البناء وصلابة الموقف والقدرة على مقاومة الأعداء وشيوع الأمن والطمأنينة وانتشار السلام وغيرها من الآثار الحميدة.
وقد حث الباري عز وجل في كتابه على الوحدة، آمرا بها ناهياً عن ضدها محذراً مما ينتج من التخلي عنها من الفشل والخسران.
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «103» ﴾ سورة آل عمران
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ «46» ﴾ سورة الأنفال
وحينما يتحدث الجميع من أبناء مجتمعنا عن الوحدة فإن ذلك يكشف عن وعي عميق وإدراك حقيقي منهم بأهميتها، إلا أن الوقوف عند هذا الحد دون المضي قدما في خطوات عملية تبدو نوعا من الترف والمناورة الغبية.
لذا لابد من خطوات عملية تبدأ بالاعتراف بشرعية الآخر «المنضبط بضوابط الدين» ومشروعية أعماله وتستمر لتصل إلى التعاون في بناء المجتمع على أساس الدين والفضيلة، مع الإقرار بحق الاحتفاظ بخصوصيات كل من المتعاونين.
وللإسراع في هذا العمل النبيل ينبغي التأكيد على دور الرموز الدينية والواجهات الاجتماعية والمؤسسات باختلاف أنماطها والقوى والفعاليات في الوحدة، فتوحدهم يعزز مقومات الوحدة بين الناس، ويحافظ على سلامة النسيج الاجتماعي.