متى أصبح الشيعة أكثرية العراق ؟
مع سيطرة الصفويين على بغداد سنة 914 هـ أصبح العراق ميدان تنازع بين الصفويين و العثمانيين.. وقد شهر كل من الطرفين بوجه خصمه سلاح المذهب واستفاد منه في تعبئة مجتمعه ضد الآخر.ولم يلبث العثمانيون أن استعادوا السيطرة على بغداد بعد عدة سنوات.
ومع إعلان الصفويين أن التشيع مذهب إيران الرسمي. دفع شيعة العراق ضريبة ذلك (!!) فقامت الدولة العثمانية باضطهادهم ومارس السلطان (سليم الأول)سياسة إرهابية بحقهم حيث اعتبرهم غير مسلمين وأعلن ضدهم الحرب المذهبية واستصدر من رجال الدين فتوى بكفر الشيعة وجواز قتلهم وراح ضحية هذه الفتوى عشرات الآلاف من الشيعة.. وجاء بعده السلطان مراد الرابع فشن حرباً طائفية على الشيعة. حيث قتل فيها عدد كبير.
واستمرت العلاقة بين الشيعة وبين الأتراك العثمانيين متأرجحة تؤثر فيها الظروف المحلية مثل علاقة بعض المرجعيات الدينية الإيجابية بالولاة العثمانيين حيث ينعكس ذلك بصورة جيدة في أوضاعهم، أوالاقليمية كالصراع مع الصفويين حيث يعانون من آثار هذا الصراع، كما يؤثر فيها مزاج الحاكمين،ومرت في فترات هدوء تبعا لذلك. فقد سكت داود باشا الوالي المملوكي عن النشاط الشيعي وممارسة الشعائر، مثلما كانت سياسة عبد الحميد الثاني العثماني الداعية إلى الوحدة الإسلامية عاملا مهما في أن يتنفس شيعة العراق الصعداء.
مع سيطرة البريطانيين على البصرة عشية الحرب العالمية الأولى (1914) وتقدمهم باتجاه العمارة وبغداد فيما بعد، ذهلوا من سعة انتشار التشيع وقوة المرجعية الشيعية التي اصطفت إلى جانب الحكومة العثمانية باعتبارها مسلمة بالرغم من معاناتهم مع حكامها والتمييز الطائفي الذي كانت تمارسه إلا أن العلماء وقفوا الموقف الرائع في معاداة البريطانيين.
فقد عارضهم وبشكل صريح أبرز علماء الحوزة العلمية، مثل شيخ الشريعة الاصفهاني والشيخ عبد الكريم الجزائري، والميرزا الشيرازي محمد تقي وقاتلهم السيد محمد سعيد الحبوبي وحشد ضدهم الشيخ محمد رضا الشبيبي وأمر الشيخ مهدي الخالصي بدفع الأموال لنصرة العثمانيين .
لقد كان يتعامل مع الشيعة في العراق على أساس أنهم أقلية تبعا للانطباع الموجود من أيام الأتراك غير أن البريطانيين وقد استولوا على العراق ووجهوا بتلك المعارضة الشيعية القوية تنبهوا عبر إحصاء قاموا بإجرائه إلى أن الشيعة يشكلون أكثرية في البلاد وهم (ما بين 53ـ 56%)..
لقد تنبه بعض الكتاب إلى أنه قد حدث تحول للمذهب من قبل العشائر والقبائل العربية التي كانت في حوض الفرات، وأيضا من قبل القبائل التركمانية في شمال العراق، وهذا التحول في الجهتين غير المعادلة السكانية المذهبية.. ولم يكن هذا التحول والتغير في الوضع السكاني قد حدث أثناء الاحتلال البريطاني، وإنما سبقه بنحو قرن من الزمان أي في بدايات القرن التاسع عشر..
وقد ذكر ابراهيم الحيدري قائمة باسم العشائر التي تشيعت مثل (زبيد، وبني لام، والبو محمد، وعشائر الديوانية، وبعض أفخاذ تميم، وربيعة...وشمر.. وقبلهم كانت قبائل المنتفق، وخزعل، وقسم من الدليم..)
وأخيرا القبائل التركمانية في كركوك. وتختلف هذه القبائل لكن أعرقها في التحول العقيدي كانت قبل 150سنة، وآخرها كان قبل 60 سنة..
1- الدور العكسي الذي قامت به هجمات الوهابيين على كربلاء والنجف،ومواجهة هذه العشائر لتلك الهجمات زادت دوافعهم للتشيع خصوصا مع ملاحظة أبناء العشائر هذه، التسامح الشيعي في مقابل التشدد الوهابي والذي كان يصل إلى العقوبة الشديدة جدا على استعمال التبغ! أو حلق اللحية! فضلا عن الصلاة في المراقد وعند القبور، الأمر الذي كان غير محتمل عند هذه العشائر.
2- ومن العوامل: توطين العشائر البدوية على يد العثمانيين الذين كانوا يريدون زيادة مداخيل الدولة من خلال الضرائب ، فقام الأتراك بتوزيع الأراضي في حوض الفرات عليهم، لكي يزرعوها ويعطوا ضريبة على الزراعة والانتاج وهذا التوطين بالإضافة إلى أنه قد هدم نظامهم الاجتماعي البدوي التقليدي، جعلهم في جوار الحواضر الشيعية كالنجف وكربلاء ومناطق الجنوب الشيعية وفي مدى التبليغ الشيعي (بالقول والتعامل) .
3- ولا بد من التأكيد على الدور المهم الذي قامت به الحوزة العلمية في نقل مذهب أهل البيت لتلك العشائر.
وهو ما يشير إليه صاحب الجواهر في سبب تأليفه للكتاب أنه كان يذهب في شبابه إلى تلك المناطق . ومثل ذلك ما ينقل عن السيّد مهدي القزويني من أنه كان يذهب إلى العشائر ويمكث في مضيفها سنة كاملة يخالطهم فيها ويصلّي بهم ويثقفهم بفكر أهل البيت .. وهكذا .
4- هدوء الوضع الداخلي بين الشيعة والعثمانيين في تلك الفترات كان عاملا مساعدا، فقد مرت فترة المماليك بهدوء وكان داود باشا غير متشنج، على خلاف سابقيه الذين منعوا الشعائر الشيعية علنا، كما أن استراتيجية السلطان عبد الحميد (ت 1909) في الدعوة إلى وحدة المسلمين قد ساهمت في تخفيف التشنج.
ومن الواضح أن هذه الظروف تخدم التحول العقدي بخلاف حالات التشنج والتصعيد الطائفي.