سعد البريك مبشّراً بالوهابية في القطيف!
لا ينظر السلفي الوهابي الى محاضرة الشيخ سعد البريك بعنوان (أذكركم الله في أهل بيتي) في قاعة الملك عبد الله في القديح يوم الأربعاء (26 جمادى الآخر 1431هـ ـ 9 يونيو 2010م)، على أنها فعالية ثقافية محضة، بل إن التغطية الإعلامية بطابعها الأيديولوجي المقيت، توحي وكأن البريك يقدم على أمرٍ جللٍ، ويقود الركبان رجاء أن يعود إلى قومه وأهل دعوته بالبشارة، حيث يفتح الله على يديه مصراً من أمصار المشركين وأهل البدع والضلال، وأن يخرج أهلها من الظلمات الى النور!
البريك الذي بشّر قبل نحو شهر من محاضرته العصماء، بأن لا إمكانية للتقارب مع الشيعة، والمبرر المكرور أن ثمة اختلافات جوهرية في العقيدة، وقد سرت بين علماء المدرسة الوهابية الأحياء منهم والأموات بأن للشيعة ديناً وأن للسنة ديناً (يقصدون دين السلفية وليس دين السنّة لأنهم لا يؤمنون بإسلام أكثرية أهل السنّة أيضاً). البريك هذا، قد نفى حتى إمكانية التعايش على قاعدة وطنية على أساس أن معتقدات الشيعة تنطوي على ما ينافي التعايش الوطني.. إذن ما جئت تفعل أيها البريك في القطيف؟
قليل من التأمل في عنوان المحاضرة (إذكركم الله في أهل بيتي) والتي يرعاها المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالقطيف، يتبيّن أن البريك جاء داعياً وليس متقارباً ولا متعايشاً، بل وصف محاضرته (منعطفاً)، في إشارة إلى ما يشبه الإختراق في الوسط الشيعي.
شكر البريك الدكتور عبد العزيز القاسم لمساعيه بعد لقاء تلفزيوني على قناة (دليل) قبل شهرين من أجل نقل المعركة الى الداخل الشيعي، والظاهر أنه تنبّه الى أن بطاقة العبور الى عقول الشيعة وقلوبهم هو محبّة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله. وبوحي من القاسم، جاء البريك لإكمال مهمته الدعوية أو ما أطلق عليه (بيان الحقيقة). ولكن البريك، شأن القاسم، لم يشأ مدّ جسور للتقارب، بل تصميم خطّة بدائية لاختراق عقدي، في عودة لنفس الأخطاء السابقة، على اعتبار أن البريك يعتقد بأن اتقانه السردي لروايات تاريخية منتقاة بعناية ستسدد ضربة قاصمة للوعي العقدي الشيعي، وستدفع بهم للزحف مثنى وفرادى طمعاً في المغفرة من إثم المعتنق. ما لا يدركه القاسم الذي شجّع البريك على القدوم الى القطيف تزفّه أوهام النصر المؤزّر، وما عثر عليه مقلوباً في المحاضرة، أن الذاكرة التاريخية التي يمتلكها البريك لا تصمد أمام الذاكرة التاريخية لدى أغلبية من قصدهم برسالته الكونية.
يوجّه البريك لوماَ الى الشيعة في السعودية لأنهم تبنوا مواقف عدائية ضد الوهابية بسبب خصومتهم لأهل البيت، ويعتقد بأنه في حال ثبت أن الوهابية لا تحمل عداوة لأهل البيت، فإنه سينسف بذلك ركائز وحجج الخصم، وليتسائل بعدها بلغة تقريرية حاسمة: هل بقي ما يدعو للخلاف إن لم يكن الخلاف على أمر دنيوي؟. هكذا ببساطة يريد البريك حسم القضية من جانبه، فماذا سنفعل في كتاب ابن تيمية في منهاج السنة، والتي نال فيه من علي بن أبي طالب عليه السلام، حتى كشف الباحثون عن نصبه العداء له. وهل تجرأ أحد على القدح في علي كما تجرأ إبن تيمية؟.
محاضرة البريك كانت تبريرية لكل ما جرى في التاريخ، خصوصاً ما يتعلق بأخطاء الأمويين، وهذا يشي بنيّة التبشير وليس النزاهة العلمية في مقاربته لموضوعات خلافية. يلوم البريك الشيعة، على سبيل المثال، على بكائهم على الحسين.. ويعتبر ذلك بكاء كراهية، فهو يعتقد بأن بكاء الشيعة رد فعل على تواطؤات الصحابة على أهل البيت.. بل يحسب البريك هذا البكاء جزء من حيلة أو ما يصفه (إنطلت عليهم الحيلة) وكأن ما جرى في عرصة كربلاء مجرد وهم أو مسرحية أو ربما مؤامرة صهيونية وماسونية!!
ويعتب البريك على الشيعة عودتهم الى التاريخ، وسكونهم في وقائعه، متناسياً أن محاضرته (بل معركته) تدور رحاها في ساحة التاريخ، فضلاً عن كونه ينتمي الى مدرسة سلفية، أي أنها تستمد من السلف، والماضي، والتاريخ مواقفه ورؤاه العقدية.
كل المحاضرة لا علاقة لها بالجاليات، بل هي موجّهة للشيعة في القطيف، تكاد تكون المحاضرة مهمة دعوية أو تبشيرية بامتياز.. إذ لا يبرح البريك التأكيد مرة بعد أخرى على صحة خطه العقدي، ومصادره، وخطأ ما عليه من يصفهم (البعض)، إشارة الى الشيعة في القطيف. لا يكف عن الرجوع الى إبن تيمية، ما يؤكّد أن الرجل كما صاحبه القاسم لا يريد سوى تقديم وجبة تبشيرية. يكشف عن ذلك تسلّحه بنصوص ومراجع من الشيعة والسلف وكتب التاريخ بنزعة إنتقائية واضحة.
ويلوم البريك مشايخ الشيعة لغيابهم عن محاضرته ليستمعوا (بيان الحقيقة)، بل يكاد يصل الى حد تأثيم غياب المشايخ وأصحاب العمائم، وكأن المطلوب منهم القدوم طائعين والإستماع الى طعنه واتهاماته للشيعة ولمذهبهم وعلمائهم، ثم الدخول في دين البريك مذعنين مسلّمين!
لسنا بصدد فتح باب الجدل في قضايا تاريخية وعقدية خلافية، ونملك من الشجاعة والملكة ما يجعلنا في جهوزية كاملة لخوض هذا المجال، ولكن لكل مقام مقال. الكلام هنا، أن البريك الذي حسم موقفه قبل أن يأتي الى القطيف بأن لا إمكانية للتقارب على أساس ديني، ولا إمكانية للتعايش على أساس وطني.. جاء الى أهل القطيف بنفس المهمة التي جاء بها إبن بشر الذي أرسله عبد العزيز الى علماء القطيف بعد صدور فتوى الرياض 1927 بإلزام الشيعة اعتناق الإسلام الوهابي.
لا نعلم فائدة من الانفتاح على مثل البريك، الذي يتسلّح بهدف واحد وهو أن تقاربه مع الشيعة سيمنحه فرصة ذهبية لتحويلهم عن معتقدهم، ولذلك فاجأه غياب (أصحاب العمائم)، فقد كان مستعداً لتلاوة بيان (دعوة الإسلام) على منبر، كما كان يفعل أمراء آل سعود وعلماء الوهابية حين دخلوا المسجد الحرام فاتحين، محلقين رؤوسهم ومقصّرين، واعتلى أميرهم الفاتح المنبر ليبلغ الناس أحكام الإسلام من الحلال والحرام، ما لا تجهله البهائم والأنعام، كما يقول مفتي الحجاز الأسبق المرحوم الشيخ أحمد بن زيني دحلان.
ما يختزنه البريك من ذاكرة تاريخية وعقدية ومذهبية تجعل من التقارب أو حتى التعيش مسألة تكتيكية، فهو يصدر عن رؤية دعوية تقوم على تخيير الآخر ـ المشرك، الضال، المبتدع، بين التحوّل عن معتقده، أو القتل، أو القتل مع وقف التنفيذ. وما سوى ذلك، يتطلب ممارسة نقدية جراحية لتراث بني على أساس مخاصمة الآخر، والشيعي في مقدمة هذا الآخر.
لابد أن البريك عاد محمّلاً بخيبة أمل بخلاف ما كان يأمله في (غزوته) الدعوية، ولربما هناك من (ضخّم) له حجم الحفاوة الشعبية المأمولة التي تنتظره في القطيف، ولكنه لم يجد سوى كتيبة دعائية مستنفرة بلا انتصارات، فعوّض عن غياب الجمهور بحضور كثيف في المواقع الالكترونية.
غضبة البريك بسبب غياب الجمهور القطيفي، الذي يندرج في تعريفات المكتب الدعوي الوهابي في مصنّف (الجاليات)، لم تكن أكثر من خيبة أمل، لاعتقاده الوهمي بأنه بمحاضرة واحدة سيتغيّر الكون، وما أكثر المشايخ والدعاة الذين يستجيبون ببساطة لطعم السماسرة.. وصانعي الأوهام.
يبدو ـ في كثير من الأحيان ـ البحث عن مشترك مع مشايخ الوهابية وكأنه عبث بحدّ ذاته. فهؤلاء لا يقرون بإسلام الشيعة ولا بحقيقة أن لهم حقوق مواطنة، بل أن البريك نفسه قال بأن التمييز الطائفي ضد الشيعة سببه أن الشيعة ينوحون ويبكون على أهل البيت!
هذه عقول يصعب ايجاد مشتركات معها. ولا حل إلا بمقاطعتها وتجاهلها. وفي المقابل يجب أن يذهب الجهد باتجاه العلماء الآخرين من غير الوهابية، سواء في الحجاز أو في الجنوب أو حتى في المنطقة الشرقية. فهؤلاء أجدر بالحوار والتعاون، من هدر الوقت مع مشايخ متطرفين تكفيريين يجيدون فن الإستعلاء المناطقي والطائفي على الآخرين.