القراءة ولصوص الوقت
هم أخطر أنواع اللصوص حين يسرقون ما لا يمكن تعويضه أبدًا وهو الوقت، ويصبحون أكثر خطرًا حين يسرقونه على حساب ما يخلق أوقاتًا وحيوات وسنين أخرى تُضاف إلى حياتنا؛ وهو القراءة.
ومع أن لصوص الوقت موجودون منذ الأزل ولم يغيبوا قط عن الساحة فإنهم أصبحوا يتلونون بألوان متنوعة وبراقة وخادعة بحيث يخيّل إلى من يراهم أنهم لا يفعلون ذلك.
ومن أبرز لصوص الوقت وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكننا أن ننكر فوائدها في حال استخدامها بعقل واقتصاد في الوقت. يدخل أحدنا واحدًا منها على أمل استكشاف الجديد خلال دقائق معدودة، لكن هذا الجديد يجره نحو جديد آخر وآخر، حتى تمر الأوقات دون أن نشعر بها، إما بسبب الجاذبية الكبيرة فيها، أو بسبب الفضول لمعرفة أسرار الآخرين والخوف من فقدان أو فوات أخبار علينا، وهو ما يسمى علميًّا «FOMO». وما إن ننتهي منها حتى ننتقل إلى وسيلة تواصل أخرى تسرق وقتًا آخر منا.
يقول موقع https://www.statista.com إن عدد الساعات التي يقضيها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في العالم يتفاوت من بلد لآخر. فحسب إحصاءات الربع الأول من عام 2023م فإن البرازيل احتلت المركز الأول في عدد ساعات استخدام هذه المواقع؛ بواقع 3 ساعات و49 دقيقة في اليوم، تليها نيجيريا «3س و44د» ثم الفلبين «3س و38د» يوميًّا. أما عن أقل الدول استخدامًا لها فكانت اليابان بواقع 47 دقيقة يوميًّا، ثم كوريا الجنوبية «ساعة و11دقيقة» ثم بلجيكا «ساعة و3 دقائق».
والمصيبة في القصة هي أن بعضهم قد يعتقد أنه حين يتصفح وسائل التواصل يقرأ بالفعل قراءة حقيقية وكافية، وأنه بذلك يضيف إلى حصيلته اللغوية والمعرفية، والحال أنه غالبًا لا يكتسب سوى معلومات سطحية وبسيطة للغاية ليس إلا. هناك بالطبع بعض الفوائد لهذه المواقع لكنها لا تتناسب البتة مع الوقت الذي تستقطعه من كل يوم في حياتنا.
هناك أيضًا لصوص آخرون للوقت في مجتمعاتنا، مثل بعض المجالس والديوانيات العبثية التي لا تضيف شيئًا إلى مرتاديها سوى الحديث في أعراض الناس، والسهر حتى خيوط الصبح الأولى، وهو ما يؤثر حتى في أداء الموظفين والطلاب. ولو اقتصرت على أوقات قصيرة ومحدودة لكانت مفيدة في تواصل الناس بعضهم مع بعض، لكن المشكلة تتضخم حين تقتطع ساعات طويلة من أيام أو ليالي الناس.
كذلك فإن الجلوس ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز دون الاكتراث بالأوقات المهدرة، أو نوعية البرامج المشاهدة، هي أيضًا مشكلة حقيقية تهدد مع الوقت منسوب الثقافة لدى الجيل الجديد وإحاطته بتاريخه وما يدور حوله من أمور.
ونكرر هنا أن الحديث ليس ضد الترفيه والتسلية عن النفس، بل أن تكون هذه الأمور محورية في حياتنا؛ فالمطلوب أن تكون هذه الأمور إحدى مفردات برنامجنا اليومي بحدود معقولة مع إضافة مفردات مهمة إليها، ومنها القراءة الجادة والعميقة التي تؤسس لبناء أرضية صلبة لأطفال وشباب المستقبل في مجتمعاتنا الفتية، وأن نوازن بين أولويات برامجنا اليومية حتى نتمكن من المضي قدمًا في تنمية ذواتنا ومجتمعاتنا بما يفيدها ويدفعها للأمام على الدوام.